بعكس كل التوقعات بأن الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود سيبقى متماسكاً بسبب تخوف كل قادة الأحزاب من اجراء انتخابات، فان نتنياهو سارع الى اقالة الوزيرين يائير لابيد، رئيس حزب "هناك مستقبل" الذي يمتلك 19 مقعداً في البرلمان الاسرائيلي، وكذلك تسيبي ليفني زعيمة "حزب الحركة" الذي يمتلك 6 مقاعد في البرلمان الاسرائيلي. وفوراً دعا نتنياهو الى اجراء انتخابات مبكرة، إذ أن الانتخابات السابقة جرت في أوائل العام 2013، أي لم يمضِ على الانتخابات السابقة سوى سنتين. واضطرت الأحزاب الأخرى الى قبول هذا الاقتراح لأنه لا مجال من تشكيل حكومة جديدة بعد أن انسحب الحزبان "هناك مستقبل" و"الحركة" من الائتلاف الحكومي نتيجة الخلافات الحزبية الكبيرة، إذ أن كل حزب يسعى إلى الحصول على مكاسب سياسية على حساب الآخر.
أسباب اقالة الوزيرين
لقد حاول نتنياهو مسايرة الوزيرين لابيد وليفني لبقاء الحكومة مستقرة، كما أن الوزيرين أيضاً حاولا نفس الشيء، ولكن الخلافات في المواقف كبيرة وعريضة، لأن لابيد يريد تحقيق انجاز سياسي كبير لبقاء حزبه، وخاصة تطبيق ما دعا اليه من تحسين للوضع الاجتماعي، وسعى الى الغاء ضريبة القيمة المضافة، وكذلك حاولت ليفني أن تحسن من وضع القضاء، وتفعيل دور وزارة العدل، ونجحت الى حد كبير، لذلك وجد نتنياهو أن لابيد يفرض ما يريده لصالح ناخبه، وكذلك ليفني. وهنا شعر بأن حزبه في وضع حساس لذلك عليه اقالة الوزيرين، فافتعل موضوع "قومية الدولة"، أي أن دولة اسرائيل هي "يهودية ديمقراطية"، وعارضه الوزيران، فأسرع الى اقالتهما ليثبت لليمين الاسرائيلي وخاصة لحزبه أنه صاحب قرار جريء!
أسباب أخرى: حكومة بديلة
لقد تواردت معلومات لنتنياهو أن الوزيرين لابيد وليفني يشاركان باتصالات سرية مع حزبي "شاس"، و"العمل"، بناءً على "نصائح ورغبات" الادارة الاميركية لتشكيل حكومة بديلة، فأسرع نتنياهو إلى اجراء اتصالات مع حزبي المتدينين "الحاريديم": "شاس" و"ديغل هتوراة"، واقنعهما بضرورة عدم المشاركة الا في حكومة يترأسها، ونظراً لأن حركة "شاس" بزعامة آرييه درعي لا تريد أن تكسب عدواً لها، لا الادارة الاميركية، ولا نتنياهو، ولا الاحزاب الأخرى، فقالت وقررت الا تشارك في أي حكومة حالياً، إلا بعد اجراء انتخابات، ويُقال أيضاً أن نتنياهو حصل على "وعد" باعادة تزكيته أمام الرئيس الاسرائيلي روفين ريفلين، خصمه السياسي، لتكليفه بتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات، أي نتنياهو حصل على وعد يضمن له العودة لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات المبكرة.
دوافع حزبية داخلية
هناك دوافع أخرى داخل حزب الليكود نفسه إذ أن اليمين المتطرف بدأ يهيمن على هذا الحزب، وان العناصر اليمينية الوسطية مثل موشيه كحلون لم يشارك في الانتخابات الأخيرة، كما أن وزير الداخلية جدعون ساعر استقال وقال أنه ينوي الابتعاد قليلاً عن الساحة السياسية ليتفرغ للأمور البيتية (العائلية) الخاصة، والوزيرة ليمور ليفنات كانت تفكر بالاعتزال عن الحلبة السياسية، وهي من مناصري تيار نتنياهو داخل الليكود، وأعلنت عن ذلك بعد المصادقة على حل البرلمان واجراء الانتخابات الاسرائيلية القادمة يوم 17 آذار القادم.
واضافة الى ما ذكر حول حزب الليكود، فان الحليف له وهو حزب "اسرائيل بيتنا" لن يبقي تحالفه مع الليكود، وسيخوض الانتخابات لوحده، وان زعيم هذا الحزب الحليف أفيغدور ليبرمان "يُعاكس" في بعض الاحيان مواقف نتنياهو، وان ليبرمان يسعى للوصول الى منصب رئاسة الحكومة الجديدة القادمة.
كما أن هناك انتقادات شديدة ضد نتنياهو داخل حزب الليكود مما يؤثر ذلك على شعبيته، وخاصة في أوساط المستوطنين الذين ينضمون الى عضوية "الليكود" من أجل تعقيد مساره ليصبح يمين اليمين الاسرائيلي، أي أكثر تطرفاً وتشدداً وتعصباً! وهذه الاصوات داخل الحزب لا تنافسه فقط، بل تسعى الى الاطاحة به عن زعامة الحزب. وهذا الوضع ليس مريحاً لنتنياهو نفسه، ولذلك عليه أن يثبت جدارته وقوته، لذلك وافق على عقد مؤتمر عام للحزب لانتخابات القيادة، وكان مقرراً عقد يوم 6 كانون الثاني القادم، إلا أن نتنياهو طلب تقديمه حتى نهاية الشهر الجاري، أي تم تقديمه لحوالي أسبوع فقط. ونجح نتنياهو في ذلك اذ أنه أثبت انه ما زال قوياً داخل حزبه، لذلك عليه "كسر أجنحة" معارضيه ومنافسيه، قبل أن ينقضوا عليه، ويطيحوا به!
دوافع دولية
شعر نتنياهو أنه لا يستطيع الهروب من أي استحقاق سياسي، وان دول عديدة أصبحت "قاب قوسين" من الاعتراف بدولة فلسطين، والمؤشر على ذلك اعتراف البرلمانات "رمزياً" بذلك. وعلم أن الادارة الاميركية تسعى الى بلورة اقتراح ما للعودة الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، وهذا يتزامن مع مساعي القيادة الفلسطينية للحصول على قرار دولي لانهاء الاحتلال، وان هذه القيادة ستلجأ الى المنظمات الدولية لازعاج اسرائيل، وهذا يعني أن على نتنياهو اتخاذ قرارات صعبة، ولا يستطيع ذلك مع حكومة فيها حزبان يؤيدان خيار حل "الدولتين"، فهو ضد اقامة دولة فلسطينية، ولن يتنازل عن مستوطنة واحدة، ولا عن القدس، ولا عن الغور، فهو يريد حكماً ذاتياً "باشراف اسرائيل" وتحت سيادة أمنية اسرائيلية، أي أنه يؤيد اقامة "ادارة مدنية" فلسطينية تحت امرة اسرائيل.
ومن أجل الهروب من أي استحقاق سياسي، فان نتنياهو لجأ الى الانتخابات المبكرة، حيث يقول أن حكومته الانتقالية لا تستطيع اتخاذ أي قرار مصيري، وعلى الجميع الانتظار لتشكيل حكومة جديدة بعد أربعة شهور من اليوم، أي أنه يجمد المسيرة السلمية التي تراوح مكانها لأربعة شهور على الاقل، ويظن نتنياهو أن عامل الوقت هو لصالح اسرائيل، لذلك فهو يماطل ويؤخر أي جهد، ويعرقله، حتى أنه يطالب الادارة الاميركية والدول الاوروبية بتأجيل التحرك حتى أواخر نيسان القادم، أي الى حين تشكيل حكومة جديدة!
والتساؤل الاخير الذي يطرح نفسه: هل هذه الدوافع تؤمن له العودة الى الحكم مجدداً! لا بدّ من انتظار نتائج الانتخابات القادمة لمعرفة اذا كان نتنياهو قد غامر بصورة صحيحة فربح، أبو بصورة خاطئة، فخسر!