كيفية الحفاظ على وجودهم وعدم زوالهم
موضوع بقاء أو زوال المسيحيين في المشرق العربي، وخاصة بعد أن تم طردهم من مناطق في شمال العراق، وبالتحديد من مدينة الموصل، وتعرضهم مع اقليات أخرى، للقتل والتعذيب، أخذ اهتماماً واسعاً في مختلف الأوساط الاعلامية والفكرية، وقد عقدت العديد من المؤتمرات في ديارنا المقدسة والخارج، وخاصة في عمان، وعقدت حوارات تلفزيونية عديدة حول هذا الموضوع بمشاركة عدد من المفكرين ورجال الدين، وأجمع الجميع على ضرورة بقاء المسيحيين في الوطن، ودعا الأزهر الشريف الى وقف هذه الهجرة، كما أدان التطرف الديني، وتكفير الآخرين في مؤتمر عقده في القاهرة مؤخراً.
والحديث عن المسيحيين أثار تساؤلات عدة: هل هم أقلية أم أنهم مواطنون عاديون؟ وما هي أسباب ضعفهم؟ ولماذا هذا الاضطهاد لهم؟ وماذا تفعل دول الغرب لهم، وماذا قدم لهم رؤساء الكنائس لحمايتهم أو للدفاع عنهم أو لتوفير ملاجىء ومراكز إيواء بعد أن طردوا وشردوا من أوطانهم الأصلية؟
ليسوا أقلية
هناك اجماع عربي على أن المسيحيين ليسوا أقلية، فهم مواطنون عاديون، هم أبناء هذا الوطن، هم أصل هذه الشعوب التي تعيش المنطقة، لم يأتوا من الخارج ليستوطنوا في هذه الديار، فهم أصحابها كما هم الآخرون من اخوانهم أبناء الوطن. والمسيحيون لا يشكلون قومية، بل هم ينتمون الى دين سماوي، لذلك على كل المجتمعات دعمهم ومساندتهم ومنع هذه المجازر التي ترتكب بحقهم تحت شعارات دينية مزيفة تكفر الآخرين وتقصيهم عن الحياة وعن المجتمع بصورة بربرية وحشية مرفوضة من الديانات السماوية وخاصة الديانتين المسيحية والاسلامية.
مسؤولية الدولة للحفاظ عليهم
ليس أي انسان مسؤول عن حمايتهم أو الحفاظ عليهم سوى السلطات الحاكمة، وان التعرض للمسيحيين هو تقصير لاداء الدولة أو الحكومة، وخاصة أنهم لا يملكون جيشا، وليست لديهم قوة لمواجهة الآخرين إذ أن الدين المسيحي يحرم القتل والقتال، ويدعو دائماً الى المحبة والتعايش المشترك واحترام الآخر.
وقيام الدولة الاسلامية (داعش) في التنكيل بهم بعد الاستيلاء على مساحة كبيرة من شمال العراق تتحمل مسؤوليته الحكومة العراقية التي لم توفر الدعم اللازم لهم، ولا الحماية المفروضة والمطلوبة.
كما أن الغرب كله مسؤول عما يتعرض له المسيحيون من قتل وتشريد لأنه كان وما زال الى حد كبير المساعد الأول لهذه الفئات والمجموعات الدينية الارهابية التي تستخدم الدين وسيلة لتحقيق أهداف أعداء الأمتين العربية والاسلامية.. هذا الغرب هو الذي صنع التطرف ووفر له الدعم الكبير من أجل اسقاط سورية، ولكن هذه المجموعات الارهابية بدأت تقلق وتؤرق دول الغرب التي تحسب كثيراً لعودة هؤلاء المقاتلين الى بلادهم، ونأمل أن يعودوا سالمين ليذوّقوا المسؤولين هناك مرارة أفعالهم كما ذاقها أبناء المنطقة من مسيحيين ومسلمين.
واذا أراد الغرب، وبالفعل محاربة هذه المجموعات ليس لانقاذ المسيحيين، بل لانقاذ جميع أبناء المنطقة من هذا الارهاب المروع، فانه يستطيع ذلك عبر وقف سياسته الهدامة الساعية لاسقاط سورية وجميع الدول العربية، وبدء التنسيق مع سورية الدولة الشرعية، ومع كل الأطراف، وكذلك من خلال وقف تمويل المجموعات المسلحة الارهابية بالعتاد والمال.
لماذا المسيحي ضعيف
ضعف المسيحي يعود الى عدة عوامل ودوافع ومن أهمها:-
· أنه ليس غريباً عن الوطن، وهو جزء من الوطن، ولكن هناك ما يميز ضده، ويعتبره ذلك، أي غربيا.
· ليست لديه قوات خاصة به، لأنه ليس جزءاً من قومية مثل الأكراد.
· ربط المسيحي المشرقي بسياسات الغرب، وتحميله مسؤولية توجهات الغرب تجاه الشرق، تحت ذريعة أن هذا الغرب مسيحي، والمسيحي هو جزء منه أو تابع له، مع أن هذا غير صحيح إذ أن المسيحي المشرقي هو ضد سياسات الغرب تجاه عالمنا العربي، والقضية الفلسطينية.
· ضعف القيادات الروحية الكنسية، فليس هناك تعاون واقعي وفعلي بين كنيسة وأخرى، سوى شكليا، وليست هناك وحدة حال داخل الكنيسة أو الطائفة الواحدة، والقيادات الروحية لم تقل كلمتها بشكل واضح وجريء، كما لم تقدم المؤازرة الصحيحة والحقيقية لهؤلاء المسيحيين المشردين الذين بدأوا يشعرون بأنهم غرباء عن الوطن، وبالتالي يسعون للهجرة الى الخارج.
ما العمل؟
من المهم أن يصمد المسيحي في وطنه حاله كحال اخوانه من الديانات الأخرى، ومن الضروري أن يتحد رجال الدين من الديانتين المسيحية والاسلامية في التحرك معاً من أجل مواجهة "ثقافة" التطرف الديني التي تغذيها دول الغرب من أجل تحقيق مصالح وأهداف خاصة بالغرب أولاً وأخيراً.
ومن الواجب على رؤساء الكنائس أن يعملوا جاهدين على تشجيع المسيحيين على عدم الهجرة، وايواء اللاجئين في الأديرة، وتوفير لهم المساعدات الانسانية، والا يتركوهم يذوقون المرارة، بينما هؤلاء المسؤولون الروحيون يتفرجون عليهم.
وأهم ما هو مطلوب عمله هو القضاء على الارهاب الذي هو سبب معاناة أبناء الشرق كله، واذا قضي على الارهاب عاد الاستقرار الى ربوع ديارنا.
وفي النهاية لا بدّ للمسيحي أن يشعر بأن هذه الاراضي هي اراضيه، والا يتنازل عن انتمائه اليها، ويجب عليه ألا يغادر الى الخارج بل أن يعود اليها في حال نزوحه للخارج.
لقد كتبت العديد من المقالات، ووضعت العديد من الدراسات حول الوجود المسيحي في المنطقة، ولا يمكن الحفاظ على هذا الوجود الا بالتضامن والشعور بأن المسيحيين هم جزء من هذه الارض، وانهم مواطنون موالون للوطن، وان مسؤولية حمايتهم هي مسؤولية الجميع.