عوامل نجاح وفشل هذا المؤتمر
اميركا واسرائيل تعملان لافشاله قبل عقده
أعلنت وزارة الخارجية الروسية يوم الأربعاء الموافق 24 كانون الأول 2014 عن رعاية موسكو لمؤتمر حوار سوري واسع في نهاية شهر كانون الثاني القادم (أي بعد شهر) يستمر لأربعة أيام متتالية، تشارك فيه الدولة السورية، اضافة الى طيف واسع من المعارضة السورية، أي "الائتلاف السوري" المعارض، وهيئة التنسيق وأحزاب وفعاليات أخرى. وهذا الاعلان جاء بعد أكثر من أسبوعين من الاتصالات مع كل الأطراف السورية، اذ استضافت موسكو وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وكذلك معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السابق، ومندوبين عن هيئة التنسيق وأحزاب أخرى. وجاء أيضاً بعد جولة لنائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف للعديد من العواصم العربية شملت دمشق وبيروت والسعودية ودولا أخرى، وكان موضوع اللقاءات هذه ايجاد حل سياسي للازمة السورية. والرئيس فلاديمير بوتين يدعم هذا التوجه ويتبناه، وكان قد بحث موضوعه مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عند زيارته الأخيرة للعاصمة التركية أنقرة.
وقالت الخارجية الروسية أن هدف المؤتمر هو التوصل الى اتفاق دون أن يمارس أحد ضغوطات على أي من الاطراف، وأن يكون الحوار سوريا سوريا صرفا دون تدخل جهات خارجية.
عوامل النجاح السورية
هناك تفاؤل بنجاح هذا المؤتمر الذي وصف أو سمي بـ مؤتمر موسكو 1 من قبل وسائل الاعلام، وقد يكون موسكو الأول والأخير سواء أكان ناجحاً أم فاشلا.. ومن العوامل التي ترجح كفة النجاح عديدة ومن أهمها:-
· هناك قناعة كاملة بين جميع أطراف المعارضة السورية الوطنية بأن سورية تواجه خطراً كبيراً من توسع انتشار قوى الارهاب، وانه اذا بقي الحال على ما هو عليه، فان الجميع سيخسرون سورية لصالح قوى ارهابية مدعومة من الخارج، هدفها تقسيم وتجزئة سورية، ولذلك على الجميع العمل على تحقيق ذلك عبر اتفاق وسطي يرضي الجميع.
· الحل العسكري لن يؤدي الى تغيير الدولة ولا الى التوصل الى أي اتفاق، والدولة لا تحارب السوريين أو الاحزاب الوطنية، بل تحارب الارهاب المدعوم بعشرات الالاف من المسلحين الذين جاءوا من أكثر من 80 دولة في العالم، ولذلك لا بدّ من الحفاظ على وجود الدولة والعمل على الاتفاق معها لصالح سورية أولاً وأخيرا.
· أبدت الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد استعدادها لاجراء الاصلاحات المنطقية المطلوبة، والى تحول سورية الى دولة ديمقراطية علمانية مثالية في منطقة الشرق الأوسط، وهذا لن يتم في ظل أجواء تعرض سورية لمؤامرة كبيرة.
· أدركت جميع الأحزاب والقوى التي تنطوي تحت يافطة المعارضة أن الأزمة السورية الحالية ليست لصالح الشعب السوري، وليست الا لتدمير سورية من خلال توفير دعم دولي واسع للمسلحين غير السوريين العاملين على الأرض السورية، وأصبحت سورية مسرحا لمحاربة "الارهاب" الذي هو صنيعة من يحاربه الآن، وهذا يعني تدمير سورية شعباً وأرضاً ودولة.
· هذا المؤتمر فرصة ثمينة للمعارضة في الداخل والخارج للحصول على مكاسب سياسية عبر الحوار، لانه مع مرور الوقت تفقد هذه المعارضة وجودها وتأثيرها، وتزداد ضعفاً على المستوى الشعبي، وعلى المستوى الميداني، اذ أن ما يسمى "بالجيش الحر" قد ضعف ليصبح هزيلا، وهو موجود فقط في الاخبار وعلى الورق.. وغيره أيضاً من الفئات، وبالتالي الحوار مع الدولة السورية هو مكسب لهذه الاحزاب لانها ستحاول اظهار أنها حريصة على سيادة الاراضي السورية وضد تقسيم وتجزئة سورية.
عوامل النجاح الدولية
لقد ظهرت تغيّرات على الساحة الاقليمية بعد مرور حوالي 46 شهرا، أي ما يقارب الأربع سنوات من بدء المؤامرة على سورية وأربع سنوات من التدمير والمعاناة الذي يعيشه الشعب السوري ومن هذه التغيرات التي أصبحت تلقائياً عوامل نجاح للمؤتمر:-
أولاً: ضاقت الدولة المجاورة ذرعا من تكاليف استضافة الملايين من النازحين السوريين الذين أصبحوا يشكلون عبئا ماليا وامنيا على كل دولة من هذه الدول، ولذلك هناك حاجة الى حل سياسي لعودة هؤلاء النازحين أو اللاجئين الى وطنهم سورية من خلال ايجاد حل للازمة السورية.
ثانياً: ظهور واضح لتنظيم داعش على الاراضي السورية وكذلك العراقية. وكان هذا التنظيم متواجدا في سورية، ويحصل على دعم من "الغرب"، ولكنه شكل خطرا على المصالح الاميركية في العراق عندما توسع التنظيم على الاراضي العراقية، واحتل جزءاً كبيراً من شمال العراق، مما ادى الى تشكيل تحالف دولي بقيادة اميركا لمواجهة هذا التنظيم الارهابي الذي أعلن اقامة دولة الخلافة الاسلامية.
ثالثاً: أخذت الدول الاوروبية تشعر بخطر الارهابيين المتواجدين في سورية لأنهم قد يعودون الى بلادهم بعد الازمة، وبالتالي يتحولون الى قنابل متفجرة ومتنقلة على العديد من ساحات اوروبا. وعدد هؤلاء ليس بالقليل، اذ أن بعض المعلومات تشير الى أن عددهم وصل الى اكثر من عشرة آلاف مقاتل من اوروبا وحدها. وهذا عبء أمني كبير على دول اوروبا سواء المشاركة في الاتحاد الاوروبي أو غير المشاركة فيه، وبدأت هذه الدول بسن قوانين لمنع توجه مواطنيها للقتال في سورية أو العراق، وبدأت الأجهزة الأمنية في العمل المكثف لمراقبة من لهم توجهات وآراء دينية متطرفة قد تؤدي الى انخراطهم في القتال في سورية.
رابعاً: بدأت الدول العربية وخاصة الخليجية بالشعور بأن ما تقدمه من دعم لما يسمى بالمعارضة السورية قد ينقلب عليهم مستقبلا. فالتجربة الافغانية لمواجهة تواجد الاتحاد السوفياتي ادى الى بروز "الافغان العرب" الذين قاتلوا ضد الاتحاد السوفياتي، وعندما عادوا الى ديارهم العربية احدثوا هزات أمنية خطيرة، واربكت واشغلت الأجهزة الأمنية لسنوات طوال حتى استطاعت السيطرة بنسبة 90 بالمائة فقط على هؤلاء، وعلى الوضع الامني العام سواء في السعودية أو في دول عربية أخرى.
خامساً: شعور قطر، الدولة الممولة لجبهة النصرة التي هي على قائمة المنظمات الارهابية، بأن دعمها لهذا التنظيم هو تبذير للاموال لأن هذه الجبهة لن تحدث تغييراً في دولة قوية متماسكة تملك جيشا عقائدياً ذا خبرة قتالية نوعية وفريدة.. ولا تستطيع قطر مواصلة الدعم للارهاب الى ما لا نهاية، لذلك لا بد من تغيير الوضع رويدا رويدا.. ولان هناك اخطار أمنية قد تحدث بقطر اذا تم التوصل الى حل سياسي فهؤلاء المسلحون سيطالبون بمكافأة أو تعويض، وقد يصبون جام غضبهم على قطر وتكون ساحة عملياتهم.
سادساً: هناك ضغط روسي على تركيا بوقف دعم الارهاب، ووقف التدخل في الشأن السوري، كما أن أحزاب المعارضة التركية تلعب دورا كبيرا في انتقاد الرئيس التركي اردوغان ومطالبته بوقف ذلك، لان تركيا قد تواجه هؤلاء المسلحين الذين ينطلقون من اراضيها عندما يقررون تغيير بوصلة المواجهة بناءً على توجه أو اوامر خارجية.
سابعاً: هناك انكماش للدور الاميركي في منطقة الشرق الأوسط نتيجة فشل السياسة الاميركية الخارجية وخاصة في العراق، وافغانستان وفي كل دول منطقة الشرق الأوسط. والغريب أن اميركا دعمت داعش في بداية المؤامرة على سورية، وبعد ثلاث سنوات اكتشفت أن هذا التنظيم هو خطير، وشكلت تحالفاً لمحاربته، وهذه الغارات الجوية ضد التنظيم لن تفعل شيئاً من دون التنسيق مع سورية الدولة كما يتم التنسيق مع الدولة في العراق. واميركا مشغولة على أكثر من جبهة، ومعالجتها لكل القضايا هي شبه فاشلة، وهذا الفشل أو الضعف أعطى مساحة أكبر لروسيا كي تعزز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وتلعب دورا أكبر في ايجاد حل للأزمة السورية.
ثامناً: امكانية التوصل الى اتفاق ايراني مع دول العالم حول الملف النووي سيساهم الى حد كبير في تعزيز الدور الروسي، وكذلك يعزز موقف الدولة السورية، فبعد أن كانت ايران مُبعدة عن أي حل للازمة السورية، ستصبح جزءاً من الحل الى جانب روسيا، فالتغيير الدولي تجاه ايران هو لصالح حل الازمة السورية.
تاسعاً: هناك شعور لدى الرئيس الاميركي باراك اوباما بأن سياسته في سورية فشلت، وان دعمه لتيار الاخوان المسلمين، ولاحداث تغيرات في منطقة الشرق الأوسط لما فيه مصلحة لاميركا قد فشل، ولذلك لا يستطيع النزول من على الشجرة الا عبر اغلاق العينين ولو لفترة لمعرفة ماذا سيحقق الروس في هذا المؤتمر، وعلى ضوء نتائجه قد "تتحرك"، وعلى ضوء المعلومات الأولية قد تتحرك اميركا مجدداً لافشال المؤتمر!
عاشراً: هناك تغيرات على الساحة العربية، وخاصة في دول شمال افريقيا مثل مصر وتونس، اذ أن هاتين الدولتين مرشحتين لتحسين علاقتيهما مع سورية، ولعب دور افضل على الساحة العربية لتعزيز الحل السياسي. ويذكر ان مصر تعاني ايضا من الارهاب في سيناء، وتتصدى له بكل قوة، وهذا الارهاب ينتقل رويدا رويدا نحو المدن الكبرى، لذلك تبذل الاجهزة الامنية قصارى جهودها لمحاصرة هذا الارهاب في سيناء، ومنعه من الانتشار الى داخل الساحة المصرية. وبدأت الدولتان، وخاصة تونس، بملاحقة ومطاردة الذين يتوجهون للقتال في سورية، كما ان هناك جهوداً جادة تبذل لمنع التونسيين من التوجه للقتال في سورية أو في العراق.
أما العوامل الدولية فتكمن في صدور قرارات من مجلس الأمن ضد الارهاب وخاصة القرارين رقم 2170 و2178. وهذا يعني انه بالضرورة بمكان أن يتوقف الدعم للارهاب بكافة اشكاله، مع أن هناك دولا تعمل على الالتفاف على هذا القرار باعتبارها بعض الفئات الارهابية بأنها "معارضة وطنية"، ولذلك تبرر دعمها للارهاب الذي قد ينقلب عليها في يوم من الايام.
عوامل الفشل للمبادرة الروسية
ستحاول الادارة الاميركية افشال هذا المؤتمر من خلال ممارسة الضغط على "المعارضة" التي هي على علاقة معها وتابعة لها لتقديم مطالب غير منطقية.. وحاولت هذه الادارة مؤخرا بتوحيد "المعارضة" في الخارج من خلال عقد مؤتمر مغلق وسري قبل عدة شهور في اسبانيا، مدينة قرطبة، وآخر عقد في جنيف، ومؤخراً اجتمع مندوب اميركا في الامم المتحدة في جنيف مع المعارضة السورية، وخاصة أعضاء هيئة التنسيق ورئيس "الائتلاف" السوري السابق معاذ الخطيب، وشارك فيها ايضا نائب رئيس الوزراء السوري السابق قدري جميل، وهناك اجتماع آخر يعقد في القاهرة لتوحيد "المعارضة" كي تكون مطالبها موحدة.
ولا شك ان اسرائيل تعمل على افشال المؤتمر ايضا، لانها تتمنى استمرار الازمة، وعدم التوصل الى اتفاق، وهي على اتصال مع "معارضين"، وتحاول اقناعهم بأن عليهم الانتظار ومواصلة المطالبة بالاطاحة بالرئيس الدكتور بشار الاسد. فهي تريد تدمير سورية أكثر واكثر، وتريد الا تسجل نقاط لصالح روسيا في تحقيق سلام في سورية، وكذلك لا تريد لايران أن تحقق مكاسب ايضا.
مؤتمر آخر
هذا المؤتمر الجديد، مؤتمر موسكو، قد تنتج عنه خطوة أو خطوات ايجابية، ولكنه يحتاج الى مزيد من الوقت، أي الى مؤتمر آخر لأن أطياف "المعارضة" ليست مستقلة، فهي ستحاول المماطلة بحجة ضرورة مراجعة مرجعياتها حول أي موقف أو طرح يقدم في هذا المؤتمر.
روسيا تعمل من اجل دعم سورية، الدولة والشعب، ولذلك لن تتردد في عقد مؤتمر آخر، وأهم شيء بالنسبة لها هو أن يتحاور السوريون ويتوصلوا الى اتفاق لأن مصلحة سورية تتطلب ذلك.
قد تحاول بعض الجهات ثني "معارضات" سورية عن عدم المشاركة في المؤتمر تحت أعذار ومبررات، ولكن روسيا ماضية في عقد هذا المؤتمر الذي يأمل كثيرون في أن يتم فيه وضع حجر الأساس لحوار شامل مفيد ينقل سورية نحو بر الأمان، ويوقف نزيف الدم بأسرع وقت ممكن.