* على حماس الالتزام بالعقلانية السياسية والتوافق مع فتح وصولاً إلى وحدة الصف الفلسطيني
* القدس لها مكانة عزيزة في سيكولوجية كل مصري وفي الثقافة المصرية
* مصر في طريقها إلى الاستقرار
* من يستمد شرعيته من الاحتلال فهي زائفة
القاهرة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
كثيرة هي القضايا التي تشغل بال المواطن الفلسطيني والمصري على حد سواء، فمن القدس إلى غزة، ومن غزة إلى العريش، وما يحدث في سيناء وانعكاساتها على الفلسطينيين.. علاقة فلسطينية- مصرية لا تزال متينة بالرغم من الشوائب التي شابتها وتشوبها بين الحين والآخر، وذلك بحكم الجغرافيا والتاريخ المشترك، فالدم الفلسطيني اختلط بشقيقه المصري في الكثير من المواقع.. فهل لا تزال القضية الفلسطينية تحظى بمكانتها لدى الأشقاء المصريين ؟ وما هو أثر الانقسام الفلسطيني على الموقف العربي تجاهها؟ وما هي انعكاسات الربيع العربي عليها ؟.. هذه الأسئلة وغيرها طرحتها "البيادر السياسي" على الأستاذ الدكتور/ بركات عبد العزيز وكيل كلية الإعلام في جامعة القاهرة للدراسات العليا والبحوث في الحوار التالي.
تاريخ مشترك
* مصر كانت ولا تزال الحاضنة الأولى للقضية الفلسطينية.. ماذا تعني لكم هذه القضية ؟ وكيف تقيّمون العلاقات الفلسطينية- المصرية في الوقت الراهن؟
- العلاقة الفلسطينية- المصرية لها ثوابت، هذه الثوابت هي التاريخ المشترك والأخوة في الدين والعروبة والإنسانية، ثوابت الجغرافيا والتاريخ بين مصر وفلسطين واضحة للعيان منذ فجر التاريخ ومروراً بفترة الاحتلال الصهيوني لفلسطين.. عندما تدخل الجيش المصري مع جيوش عربية أخرى لمنع هذه العصابات الإجرامية من احتلال فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني، ثم بعد ذلك ومن منطلق الموقف القومي لمصر اشتركت إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ولم تكتف المؤامرة أو البشاعة الصهيونية عند هذا الحد، فقامت البشاعة الصهيونية واحتلت سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والجولان السوري، وهذه العربدة الإسرائيلية في الدول العربية إنما أساسها موقف هذه الدول من القضية الفلسطينية، ولقد كان الموقف المصري ولا يزال ضد الأطماع الصهيونية هو حجر الأساس في الصراع العربي- الإسرائيلي.. وبعد ذلك التطورات التي حصلت، جاءت حرب 1973 لتزلزل الأرض تحت أقدام الكيان الصهيوني، وحصل بعض الاختلافات والانشقاقات في الصف العربي فيما بعد عندما قام الرئيس السادات بزيارة القدس، حيث اختلفت الرؤى والأساليب، لكن ظل الهدف واحداً وهو تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي وإعادة سيادته الكاملة على كامل التراب الفلسطيني قبل الخامس من يونيو 1967، وفي عهد الرئيس مبارك حصل بعد التجاذبات والتقاربات مرة والتباعد مرة أخرى، وفي عهد الرئيس مرسي أيضاً، ولكن هنا أود الإشارة إلى أن الانشقاق الفلسطيني بين حماس وفتح كان واضحاً وانعكس سلباً على القضية الفلسطينية، ومن المعروف حسب المواثيق الدولية أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، إذاً ليس من حق أية منظمة أخرى كائنةً من كانت أن تدعي أنها تتحدث باسم هذا الشعب، وهذا أضر بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني.
الانشقاق الفلسطيني
* وهل أثر هذا الانشقاق على الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية؟
- نعم هذا الانشقاق بين فتح وحماس أثر على موقف الصف العربي كموقف تكتيكي وليس استراتيجي.
* ذكرتم أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لكن حماس جاءت إلى السلطة بعد فوزها في الانتخابات التي عقدت عام 200، وهذا أعطاها الحق في تشكيل الحكومة الفلسطينية، إلا أن العالم لم يعترف بذلك.. أين مواطن الخلل؟
- قادة الحماس الصفوة تعرف منطق الصراع العربي- الإسرائيلي، والموقف الدولي من هذا الصراع، وكيف أن الأطراف الدولية ذات تأثير واضح في هذا الصراع، خاصة الجانب الأمريكي وأوروبا والجانب المصري وغير ذلك، فكان من المفروض على حماس هنا أن تلتزم بالعقلانية السياسية وتتوافق مع حركة فتح وصولاً إلى وحدة الصف الفلسطيني، ثم إن الاتفاقيات الدولية موقعة مع منظمة التحرير، ولهذه الاعتبارات كانت من المفروض على قادة حماس والنخبة في هذه المنظمة أن تحدث نوعاً من التوافق والاتفاق مع منظمة فتح وصولاً لوحدة الصف والرؤية الفلسطينية.
* وما انعكاسات ذلك على القضية الفلسطينية؟
- بالتأكيد.. هذا الانشقاق أضر كثيراً بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني.. الشعب الفلسطيني ذاق الأمرين بسبب العصابات والسياسات الصهيونية على مر التاريخ، وبسبب الانشقاقات الفلسطينية – الفلسطينية، وبسبب الانشقاقات العربية- العربية .
أساليب خفية
* منذ هذا الانشقاق جرت الكثير من الحوارات الفلسطينية- الفلسطينية، واتفاقات متعدد في القاهرة والدوحة ومكة وغيرها، وبالرغم من ذلك لا يزال الانقسام الفلسطيني على حاله.. بماذا تفسرون استمرار هذا الانقسام؟
- هذا يرجع إلى سببين.. الأول ضيق الأفق والغفلة وسوء تقدير الموقف والمصلحة للشعب الفلسطيني والمواقف الدولية، والثاني أن هناك بعض الأشخاص يتصرفون بأساليب خفية وغير معلنة لتعميق هذا الصراع الداخلي، سواءً بين الفلسطينيين أنفسهم، أو بين الفلسطينيين والأطراف العربية والدولية.
* وما مصلحتهم في ذلك؟
- مصلحتهم مرتبطة بالمصلحة الصهيونية
* هل تقصدون أن هؤلاء الأشخاص مرتبطون بأجندات خارجية؟
- أجندات خارجية ودون اعتبار للشعب الفلسطيني الذي تعذب وذاق العذاب.. هؤلاء يعملون لحساب أجندات خارجية ويضرون بالقضية الفلسطينية، وهناك فجوة ما بين ما يقولون في العلن وما يفعلونه في السر.
*كيف يمكن أن ننهي هذا الانقسام؟
- بوحدة الصف وتطهير صفوفنا من الخونة والعملاء.
* البعض يرى أن المصالح الفئوية الضيقة إلى جانب العامل الإسرائيلي ساهم في إطالة عمر الانقسام.. هل تتفقون مع ذلك؟
- العامل الإسرائيلي بمخابراته وليس بأسلحته الفتاكة التي توجه إلى صدور الفلسطينيين يحاول باستمرار أن يغذي هذه الانقسامات الفئوية، وتصل في النهاية إلى وجود أشخاص معينين ذوي تأثير في فئات الشعب الفلسطيني، ليس بحكم المنصب السياسي، ولكن بحكم الوجود القبلي أو السياسي.. هؤلاء الأشخاص يستمدون شرعيتهم الحقيقيةـ وهي شرعية زائفة- من مصلحتهم المرتبطة بمصلحة العدو الإسرائيليين، ويوظفون الامتيازات الشخصية التي يحصلون عليها جراء هذا الانقسام لتوطيد نفوذهم بين فئات معينة من الشعب الفلسطيني، ويحاولون نشر دعايات معينة من خلال الإذاعات الفلسطينية والفضائيات وغير ذلك، حتى يظهروا أمام الفئات التي تؤيدهم بمظهر المدافع عن مصالحهم.. هذه الشخصيات "النتنة" لا تختلف عما يقوم به أي عميل مزدوج بين طرفين متناقضين.. تطهير صفوف الشعب الفلسطيني من الخونة والعملاء جانب أساسي لإنقاذ القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
الربيع العربي والقضية الفلسطينية
* القضية الفلسطينية تراجعت كثيراً بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي.. برأيك ما سبب هذا التراجع؟
- حسب توجهات ثورات الربيع العربي.. في الظاهر كل ثورات الربيع العربي تناصر القضية الفلسطينية، لكن الفصيل الذي يصل إلى الحكم في أية دولة عربية بدون استثناء بحكم وجوده في السلطة هو الذي يحدد التوجه تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، والصراع العربي- الإسرائيلي.. إما أن هذا الفصيل أو ذاك يناقض توجهات معينة في الصف الفلسطيني فهنا تقع الكارثة.. لو كانت منظمة التحرير الفلسطينية هي الطرف الوحيد والمتحدث الرسمي والشرعي للشعب الفلسطيني، ولم يحدث هذا الانقسام، لتعاملت مع جميع الأطراف على هذا الأساس، إنما الانقسام العربي بالتفاعل مع الانقسام الفلسطيني، وبالتفاعل مع المؤامرات الخارجية أضر بالقضية الفلسطينية، ووجد في ثورات الربيع العربي مستنقعاً لتحقيق مآربه الخبيثة.
* من وجهة نظركم.. كيف يمكن أن نعيد للقضية الفلسطينية بريقها من جديد وحتى تعود للصدارة؟
- حتى تعود القضية الفلسطينية للصدارة لابد من وحدة الشعب الفلسطيني، وأن يحدث توافق ووفاق بين قادة حماس وفتح بحيث ترجع الأمور إلى نصابها الصحيح، وتكون هناك حكومة واحدة للشعب الفلسطيني، وتتحدث باسمه مع مختلف القوى الإقليمية والدولية ومع الكيان الصهيوني، وبحيث لا يجد هذا الكيان أو غيره من القوى المعادية للشعب الفلسطيني ثغرة أو تتبنى فصيل معين ليخرب ويحدث التمزق وتضيع القضية الفلسطينية.. لابد من وحدة الشعب الفلسطيني أولاً تحت قيادة واحدة.. لو أن الشعب الفلسطيني توحد تحت قيادة واحدة فلن يضيره كثيراً الانقسام العربي.
القدس
* دعنا دكتور بركات ننتقل إلى ملف آخر وهو ملف القدس.. كما تعلمون أن هذه المدينة المقدسة تتعرض لهجمة إسرائيلية تهدف إلى تهويدها وطمس معالمها العربية.. كيف تنظرون أنتم كمصريين لما يحدث في القدس؟ وماذا تمثل لكم القدس؟
- القدس يجب أن تكون عاصمة موحدة للدولة الفلسطينية، وللقدس مكانة دينية مقدسة عند المسلمين والمسيحيين واليهود وليس الصهاينة.. بالنسبة لنا كمصريين ننظر إلى القدس على أنها مكان مقدس له مكانة عزيزة في سيكولوجية كل مصري وفي الثقافة المصرية عموماً، ومن الطبيعي أن نرفض شكلاً ومضموناً المزاعم الصهيونية في القدس وما تدعيه حول هيكل سليمان وغيره، ونرى أن القدس هي العاصمة الموحدة للدولة الفلسطينية.. ننظر للقدس كنظرتنا للكعبة المشرفة.
مصر على طريق الاستقرار
* على صعيد الشأن المصري.. لا تزال الأوضاع غير مستقرة تماماً بالرغم من كل الجهود المبذولة لإعادة الأمن والاستقرار.. كيف تقيمون ما آلت إليه الأوضاع في مصر بعد قرابة الأربعة أعوام على ثورة 25 يناير ؟ وإلى أين أنتم ذاهبون؟
- خطوات خطة خارطة الطريق واضحة ومحددة المعالم، ومصر في طريقها إلى الاستقرار.. بعد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر بما يقارب الإجماع بدأت الحكومة المصرية مشروعات اقتصادية عملاقة، مثل مشروع قناة السويس ومشروع استصلاح المليون فدان، ومشروع تشجيع الاستثمار الأجنبي وإحياء السياحة.. مصر في طريقها إلى الاستقرار لأن الحكومة وضعت يدها على أس البناء وهو المعضلة الاقتصادية من جهة والأمن من جهة ثانية.. الشعب المصري كله يدعم هذه الحكومة ويدعم الرئيس، والدليل على ذلك أن تكلفة إنشاء مشروع قناة السويس حوالي 60 مليار تم جمعه في أسبوعين، أما على صعيد الإجراءات الأمنية نلمس الاستقرار الأمني شيئاً فشيئاً، سواءً ما يخص المرور، أو الجرائم أو استقرار المنشآت وغيرها.. صحيح أن بعض الأحداث الإرهابية المتطرفة التي تحدث هنا وهناك لن تقف أمام طوفان الإرادة الشعبية الراغبة في الأمن والاستقرار.
أما الخطوة الثالثة في خارطة الطريق هي الانتخابات البرلمانية ستجرى إن شاء الله بكفاءة، وسوف يأتي برلمان مصري ممثلاً للشعب، ويضع الدستور المدني الحديث موضع التنفيذ، وحينئذٍ ستكون انطلاقة مصر إلى الأمام.. إذاً الانطلاقة بدأت بانتخاب الرئيس، ثم تتدعم باستمرار شيئاً فشيئاً وستكون الخطوة الأخيرة هي الانتخابات البرلمانية، وسوف يستقر الأمن وينتعش الوضع الاقتصادي، أو على الأقل يتم كبح جماح التضخم، وفي هذه الحالة سوف تكون مصر مؤهلة للكثير من جوانب التأثير الإقليمي والدولي وفي مقدمتها الدور المصري في القضية الفلسطينية.. وأتوقع أن يحدث توافق بين القيادات الفلسطينية فيما بينها، وبالتفاعل مع استقرار الأوضاع في مصر سوف يكون المستقبل أفضل للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.