قامت الطائرات الحربية الاسرائيلية يوم الأربعاء 24/12/2014 بشن غارات على مواقع تابعة لحركة "حماس" بذريعة الرد على قيام مسلحين باطلاق النار من داخل القطاع على طاقم فني كان يعمل على ترميم الجدار الأمني الواقع على حدود القطاع. وقد أدى هذا القصف الجوي الى سقوط عدد كبير من الجرحى اضافة الى قائد حمساوي ميداني كان متواجداً في أحد مراكز الحدود الأمامية... وهذا القصف الجوي رافقه قصف بالمدفعية والدبابات لمنطقة جنوب القطاع.
من ناحية ثانية أدلى العديد من القادة العسكريين الاسرائيليين، وفي مقدمتهم وزير الدفاع موشيه يعالون، بتصريحات تهديدية بأن اسرائيل قد تضطر لشن هجوم ساحق شامل على القطاع اذا استمر اطلاق قذائف أو وقوع حوادث اطلاق النار من داخل القطاع، وان "حماس" تتحمل المسؤولية كاملة لأنها هي التي تسيطر على القطاع من ناحية أمنية وهي التي تحكمه.. وهناك تصريحات تقول أنه لا بدّ من وضع حد لحركة حماس... وهذه التصريحات ان دلت على شيء، فإنما تدل على أن اسرائيل تُعد أمراً ما لقطاع غزة، رغم أن هناك ادعاءات صحفية بأن مثل هذه التصريحات تأتي من أجل الحصول على مكاسب انتخابية إذ أن معركة الانتخابات في اسرائيل قد بدأت، وهذه الانتخابات ستجري حسب ما هو مقرر يوم 17 آذار القادم.
التساؤل الذي يُطرح دائماً: هل هناك مواجهة عسكرية قادمة؟ أو بوضوح أكبر: هل تُعد اسرائيل لحرب جديدة ضد القطاع بعد أن فشلت حربها التي استمرت أكثر من 50 يوماً في الصيف المنصرم، صيف 2014؟
المواجهة العسكرية حتمية وآتية
استناداً الى خبراء ومحللين، فان اسرائيل لا تستطيع تحمل اغلاق المناطق المحيطة بالقطاع كلما توتر الوضع مع حركة "حماس"، والقاطنون هناك في جنوب اسرائيل قلقون جدا من الوضع الحالي القادم، وهم غير راضين عن الحالة التي يعيشونها، وهناك من يفكر بترك المنطقة، وهذا يعني أن خطوات ومخططات وبرامج تطوير النقب – الجنوب الاسرائيلي – تتلقى ضربات موجعة، واضافة لذلك، فان منطقة الجنوب مهمة لأنها تحتوي على منشآت عسكرية خطيرة وكبيرة من مطارات وقواعد عسكرية مختلفة، فهل من الممكن أن تسكت اسرائيل على ذلك لفترة طويلة.
وهناك عامل آخر أولاً وهو أن تثبيت وقف اطلاق النار مع الجانب الفلسطيني لم يتم بعد، إذ أن المحادثات بين الوفد الفلسطيني واسرائيل برعاية مصرية لم تستكمل، وتوقفت وما زالت مجمدة حتى الآن، لأن اسرائيل غير راغبة في وقف اطلاق النار، وهي تنتظر الفرصة التي يمكن من خلالها الانقضاض على "حماس"، والحاق الهزيمة بها، وخاصة أن هذه الحركة مع فصائل أخرى ما زالت تعد العدة لمواجهة قادمة، وان هناك معلومات متوفرة ووصلت الى اسرائيل مفادها أن هناك تطويراً كبيراً لسلاح المقاومة وخاصة للقذائف التي لا تستطيع القبة الحديدية التصدي لها.. وحسب هذه المعلومات فان حركة "حماس" تجري بين فينة وأخرى تجارب على هذه القذائف باطلاقها نحو البحر كما حدث في اليوم الذي شنت فيه الطائرات غاراتها على مواقع حماس، أي يوم 24/12/2014، وقد تعتبر هذه الغارات كرسالة واضحة لحماس بأن اسرائيل تعرف الاستعدادات لمواجهة جديدة، وانها قد ترد على ذلك أيضاً، لأنها لن تسمح بتطوير القدرات العسكرية الفلسطينية المقاومة.
وانطلاقاً مما ذكر فان أمام اسرائيل أحد أمرين: اما المواجهة السياسية المستمرة مع حماس التي لا تعترف بها، وتحمل الاخطار المحدقة بالمناطق المحيطة بالقطاع، ولربما قد تصل هذه الاخطار لمناطق بعيدة عن القطاع، أو وضع خطة لمواجهة شاملة تقوم اسرائيل فيها باعادة احتلال القطاع كاملاً للقضاء على ما يمكن من قوة حماس العسكرية، ولكن لهذا الهجوم الواسع والسريع والشامل مخاطر كبيرة جدا، وكذلك ستكون هناك خسائر بشرية كبيرة قد لا تستطيع اسرائيل تحملها... ولكن ما العمل من أجل وضع حد لهذه الاخطار، والتوتر المتواصل في جنوب اسرائيل.
الحكومة الحالية الانتقالية برئاسة نتنياهو لا تستطيع أن تغامر في هذه الفترة الانتقالية لأن الثمن سيكون كبيرا، كما ان نتنياهو لا يستطيع اتخاذ قرار مصيري وصعب في ظل غياب البرلمان والحصول على دعمه.
وانطلاقاً أيضاً مما قيل فان المواجهة العسكرية محتملة بعد الانتخابات الاسرائيلية وبعد تشكيل حكومة اسرائيلية جديدة... وقد تكون هذه المواجهة محدودة أيضاً، وتهدف فقط الى فتح حوار مع "حماس" للتوصل الى اتفاق سياسي بمساعدة دول خليجية، وتركيا، ينص على اعتراف اسرائيل بسيطرة حماس على القطاع، مقابل هدنة تستمر لعشرين عاما... وهذا الاتفاق سيؤدي الى صفقة تبادل أسرى إذ أن المحادثات السرية حول ذلك مستمرة ومتواصلة، ولن تكون هناك صفقة الا ضمن اتفاق شامل بين حماس واسرائيل.
أي أن المواجهة بين اسرائيل وحماس هي حتمية وآتية لا محالة، لأن حالة القلق والانتظار والتوقعات من الجانبين لن تبقى للأبد، ولفترة طويلة.
والتساؤل الأخير الذي يمكن طرحه: هل ستسير الرياح والاوضاع والتوقعات كما تشتهيها اسرائيل، أم أن هناك ما قد يعرقل الحسابات والمخططات الاسرائيلية ويفشلها؟ لا يمكن الاجابة على هذا التساؤل، ويمكن ترك الاجابة لما هو جار أو سيجري في الميدان، فهو الاجابة الواقعية والحقيقية البعيدة عن النظريات والأوهام!