أطلق الرئيس محمود عباس قبل عدة أشهر مبادرة تنص على تقديم طلب الى مجلس الأمن الدولي لاصدار قرار يحدد فيه تاريخ انتهاء الاحتلال الاسرائيلي خلال سنتين على الأكثر، وان تكون الدولة الفلسطينية المقامة على حدود 4 حزيران 1967.
خلال فترة وجيزة قيل أن مشروع القرار الفلسطيني سيقدم في نهاية شهر تشرين الاول، وتم تأجيل ذلك حتى نهاية شهر تشرين الثاني المنصرم، وها هو يقدم المشروع عبر مندوبة الأردن في الأمم المتحدة لأن الأردن عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي. وكالعادة صيغة القرار تقدم للأعضاء لدراسته وابداء الرأي فيه.
وهناك بالمقابل أعدّ مندوب فرنسا مشروع قرار حول هذا الموضوع الذي لم توافق عليه اسرائيل، والمشروعان قيد النقاش والدراسة.
تعديل على المشروع الفلسطيني
لم يتم التوافق على صيغة مسودة القرار الفلسطيني المقدم للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لذلك تم طلب تأجيل التصويت اذ كان مقرراً أن يتم يوم الأربعاء الموافق 17 كانون الأول الجاري.
هناك عدة دول قررت اجراء تعديلات على القرار ومنها:
· أن يتم الانسحاب من الاراضي الفلسطيني المحتلة عام 1967 مع نهاية عام 2017.
· تجري مفاوضات خلال هذه الفترة الزمنية، ولن تقام أية دولة فلسطينية الا بعد التوصل الى اتفاق مع الجانب الاسرائيلي.
· لم تحدد حدود الدولة التي ستقام عليها هذه الدولة الفلسطينية إذ أن هذه الحدود برسم المفاوضات أيضاً.
· لن يتم تحديد القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
· اقرار الاعتراف بدولتين واحدة لليهود وواحدة للفلسطينيين.
ورغم هذا التعديل الذي يفرغ القرار من مضمونه الأساسي، الا أن الولايات المتحدة غير راضية عن القرار، وأكدت أنها ستستخدم حق النقض الفيتو لاسقاط المشروع وعدم تمريره.
المشروع الفرنسي والمشاريع الأخرى
المشروع الفرنسي المدعوم من بريطانيا والمانيا يصر على اجراء مفاوضات مباشرة، والاتفاق على انهاء الاحتلال. وفي نصه المقترح – حسب مصادر عديدة – يؤكد عبر السطور أن الدولة العبرية أو اسرائيل هي دولة يهودية، أي أن اسرائيل ستحصل على اعتراف دولي بأن اسرائيل دولة لليهود.
وهذا المشروع يؤيد اقامة دولة فلسطينية، ولكن عبر التفاوض، وليس هناك أي الزام لاسرائيل بذلك. كما أن المشروع يدعو الى عقد مؤتمر دولي لبحث القضايا الصعبة المعقدة المتنازع والمختلف عليها.
وتقديم هذا المشروع هو اشارة الى أن فرنسا ومعها الدول الأوروبية لا تدعم المشروع الفلسطيني العربي، بل عندما يقدم مشروع مشترك، يعني أن الاتحاد الاوروبي يوضح موقفه، الا وهو غير مستعد للدخول في مواجهة مع السياسة الاميركية في منطقة الشرق الأوسط، اي أن مشروع القرار الفلسطيني لن يحظى بدعم اوروبي الا بعد التعديل الكثير عليه.
جدل حول جدوى التوجه لمجلس الأمن
هناك جدل داخل القيادة الفلسطينية حول: هل نذهب الى الأمم المتحدة وما جدوى هذه الخطوات. وهناك عدة آراء:
الرأي الأول يقول أنه حان الوقت لاحراج المجتمع الدولي كي يتحمل مسؤولياته، ويصدر قراراً شرعياً بانهاء الاحتلال، وليس المهم خلال سنتين أو ثلاثة، بل القبول بالمبدأ نفسه. وأصحاب الرأي، وفي مقدمتهم الرئيس عباس، يقولون وبكل وضوح أن أي قرار مهما كان معدلا، ولو كان فاقد المضمون الأساسي، فانه انجاز سياسي لانه يحمل العالم مسؤولية انهاء الاحتلال الاسرائيلي، وثانياً لانه يسلط الأضواء الاعلامية والرأي العام العالمي على القضية الفلسطينية، أي أن هذه الخطوة تخرج القضية الفلسطينية من "براد" كبير، لتعود تطفو على سطح الارض. واذا استخدمت اميركا حق النقض الفيتو، فهذا لا يغير شيئاً من هذا الانجاز السياسي، بل قد يبرر توجه القيادة الفلسطينية نحو الانضمام الى المنظمات الدولية وخاصة محكمة الجنايات الدولية.
أما أصحاب الرأي الثاني فيدعون الى عدم القبول بأي تعديل وتقديم المشروع كما هو لأنه سيحصل على حق النقض الفيتو الاميركي، والافضل أن يكون على ما هو عليه، لأن التعديل قد يخفض من سقف المطالب الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني.
ويقول أصحاب الرأي الثالث وبكل وضوح أنهم ضد التوجه الى مجلس الأمن الدولي لعدة أسباب ومن أهمها:-
1. هذا القرار والعمل في اعداده وتقديمه هو مضيعة للوقت لأنه في النهاية سيفشل.
2. عدم تقديم القرار سيجنب السلطة الفلسطينية الدخول في صراع مع الدول المانحة المؤيدة لاسرائيل، وسيتم تجنب احراج الدول المحايدة أو تلك الدول المؤيدة - ولكن بخجل - الموقف الفلسطيني.
3. مثل هذا الجهد، وهذا القرار قد يستخدم في المستقبل من قبل اسرائيل بالقول قبلتم هذا القرار ولذلك ترفضونه الآن.. وبالتالي اغلاق الباب أمام حل هو الأفضل في نهاية المطاف، وحل اقامة دولة علمانية ثنائية القومية، لأن حل الدولتين أصبح شبه المستحيل في ظل التعنت الاسرائيلي أولاً، والدعم الدولي الأعمى لها ثانياً، ولرفض القادة الاسرائيليين فكرة اقامة دولة فلسطينية مستقلة انطلاقاً من وجهات النظر المختلفة، فان التصويت على مشروع القرار الفلسطيني قد يؤجل لعدة أسابيع.. وهناك تخوّف من أن الادارة الاميركية قد تغضب من عرض هذا القرار، وبالتالي تنتقم بوقف الدعم المالي منها ومن الدول المانحة للسلطة الفلسطينية.
التوجه لمجلس الأمن له ايجابياته وسلبياته، ولكن القيادة الفلسطينية أجبرت على سلوك هذا الطريق، لانه ليست هناك آفاق سياسية للحل، وليس هناك من أسلوب نضالي سلمي ضد الاحتلال سوى الاستعانة بالأمم المتحدة التي هي في نظر الكثيرين، واستناداً لما هو على أرض الواقع، هي "حيطة مايلة" لا يستطيع أحد أن يعتمد عليها، أو يحمي ظهره بها؟