تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة تبادل الاتهامات بين حركتي حماس وفتح، مما أعطى ذلك انطباعاً بأن اتفاق الوحدة بين الحركتين لم يكن اتفاقاً شاملاً ونهائياً، ولم ينه الانقسام، بل بقي الانقسام على حاله، وهذه الاجواء "القاتمة" في التاريخ الفلسطيني لا بدّ أن تزول، ولا بد أن يكون القادة وكل المسؤولين عند مستوى المسؤولية، وخاصة في هذه المرحلة الصعبة من النضال لنيل الحرية والاستقلال.
أسباب التوتر
لقد كان مقرراً أن يقام مهرجان جماهيري كبير في مدينة غزة احياءً للذكرى العاشرة لرحيل الرئيس عرفات، ولكن قبل اقامة المهرجان بعدة أيام، وقعت تفجيرات عديدة وصل عددها الى خمسة عشر تفجيرا أمام منازل قياديي الحركة في القطاع، وكذلك طال أحد التفجيرات المنصة المعدة للمهرجان مما أجبر حركة فتح على تأجيل ومن ثم الغاء المهرجان المركزي لاحياء ذكرى رحيل قائد رمز لكل الشعب.
واضافة الى ذلك فقد مُزقت صور الرئيس عرفات التي كانت معلقة في شوارع مدينة غزة، وكذلك قامت الاجهزة الأمنية الحمساوية في القطاع باستدعاء قياديين في الحركة لاستجوابهم والتحقيق معهم وذلك يومي الثلاثاء والأربعاء 11 و12/ تشرين الثاني الجاري، وهذا بالتالي صعد من الخلاف.
وقبل هذه التفجيرات، أدلى قياديون في حماس بتصريحات انتقدوا فيها سياسة الرئيس محمود عباس حتى ان أحدهم وصفه بأنه "ديكتاتور"، وهذا بالطبع زاد الطين بلة، فانبرى قادة فتح في الرد على مثل هذه التصريحات ضد الرئيس عباس.
اتهامات متبادلة
اتهمت "فتح" حماس وبصورة علنية بالوقوف وراء هذه التفجيرات لعدة أسباب ودلائل وأهمها:-
· عدم رضى قوى داخل حماس عن اتفاق المصالحة، وعلى ضوئه تم تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولذلك أرادت التعبير عن هذا الاحتجاج بوضع هذه المتفجرات.
· عدم رغبة "حماس" في اقامة مهرجان فتحاوي كبير قد يحضره أكثر من مليون مواطن، وهذا بحد ذاته سيؤثر على شعبية "حماس" في القطاع، وسيؤثر عليها أيضاً اعلامياً، وخاصة ستتهم بأنها لا تمثل كل الشعب الفلسطيني "الغزاوي"!
· احتجاج "حماس" على آلية تنفيذ مشاريع الاعمار في القطاع، والقيود المفروضة عليها، في حين أن السلطة الوطنية وافقت عليها... وتريد "حماس" أن تشارك في لجنة اعادة الاعمار، والا تكون محصورة في حكومة الوفاق أو التوافق الوطني.
· ما زالت "حماس" تقف ضد مصر عبر وسائل اعلامها المختلفة، وهذا يعني أنها غير راضية عن العلاقة يين السلطة والقيادة الفلسطينية وخاصة في وضع آلية لفتح معبر رفح بصورة دائمة بالتنسيق مع مصر.
أما "حماس" فانها تقول أنها لم تقف وراء التفجيرات ولا وراء تمزيق صور الرئيس عرفات، وانها فتحت تحقيقا في هذا الأمر، وقد استدعت قادة فتح للتحقيق معهم لأنها تشك في أن هناك علاقة لهم في موضوع التفجيرات لأنهم أيضاً غير راضين عن اتفاق المصالحة، ولانهم يريدون بقاء الانقسام قائماً... وكذلك تتهم القيادة الفلسطينية في المساهمة بابقاء الحصار قائماً على القطاع، وعدم فتح معبر رفح بصورة دائمة، وليس كما يتم فتحه جزئياً في الآونة الأخيرة.. أي أن القيادة الفلسطينية متهمة في التباطؤ في فتح معبر رفح، وفي تنفيذ مشاريع اعمار القطاع عبر اصرارها على أن هذا المشروع لن تنفذه الا جهة واحدة، وهي حكومة التوافق الوطني.
نتائج سيئة
لهذا الوضع بين الحركتين نتائج سلبية وسيئة على شعبنا الفلسطيني، وعلى قضيته العادلة، فهو يعني أن اتفاق المصالحة كان مجرد حبراً على ورق، أو اتفاقاً ناقصاً يحتاج الى بنود أكثر وضوحاً. وهذا يعني أن الحصار على القطاع قد يبقى بسبب استمرار الانقسام، وان معبر رفح سيبقى شبه مغلق، وكذلك فان مشاريع اعادة الاعمار لن تنفذ أو لن تمول بصورة فعلية لان المانحين سيترددون في تقديم منحهم ومساعداتهم المالية بعد رؤية هذه الخلافات. وهذا سيعطي الفرصة لاسرائيل كي تماطل في رفع الحصار، وتماطل في عملية المفاوضات غير المباشرة بين الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي برعاية مصر في القاهرة.
ما المطلوب
المطلوب الآن ايقاف هذه الاتهامات المتبادلة، والتوجه نحو المصالحة الجدية.. وخاصة تطبيق اتفاق ما تم، ومحاولة تطويره ليشمل كل شيء.
المطلوب انهاء الانقسام ووضع المصلحة العليا فوق المصالح الذاتية.
فهل تستمع الحركتان لرغبة الشعب وبالتالي تتوقف الحملات المتبادلة، والعودة الى لغة الحوار لتطبيق اتفاق المصالحة واعادة اعمار القطاع في قلب واحد ووحدة وطنية قوية.