رغم كل الضغوطات الممارسة على القيادة الفلسطينية من قبل اسرائيل وحليفتها وداعمتها ومناصرتها الادارة الاميركية، ما زال الرئيس محمود عباس (أبو مازن) يصر على المضي قدماً في مبادرته السلمية لمواجهة الاحتلال بعد أن فشلت المفاوضات على مدار عشرين عاماً من تحقيق الهدف الفلسطيني الرئيس، وهو انهاء الاحتلال الاسرائيلي البغيض للاراضي الفلسطينية منذ 4 حزيران 1967. والخطة تتضمن بندين أساسيين:
الأول: الاعتراف الدولي بأن حدود الدولة الفلسطينية، العضو المراقب في الأمم المتحدة، هي حدود 4 حزيران 1967.
الثاني: تحديد موعد نهائي لانهاء الاحتلال الاسرائيلي والتزام المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة في تطبيق مثل هذا القرار الدولي. ويصر الرئيس على أن تكون فترة انهاء الاحتلال سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر.
وتنفيذ الخطة يتم على مراحل وعلى النحو الآتي:-
المرحلة الأولى يتم من خلالها شرح هذا الأمر والطلب من اميركا الراعية للمسيرة السلمية بقبول المبادرة، لكن اسرائيل رفضتها وبالتالي رفض وزير خارجية اميركا هذه المبادرة واعتبرها خطوة أحادية الجانب، ولكن الرئيس يقول انه مستعد للعودة الى المفاوضات المباشرة بعد رسم الحدود واعتراف اسرائيل بالدولة الفلسطينية، وتحديد موعد نهائي لانهاء الاحتلال، لأن المفاوضات ستتركز على تطبيق وتنفيذ المبادرة.
ولان اميركا واسرائيل رفضتا هذه المبادرة، فان المرحلة الثانية تتضمن التوجه الى مجلس الامن الدولي للحصول على قرار يتبنى هذه المبادرة، لكن مجلس الامن سيفشل في اصدار هذا القرار بفضل حق النقض الفيتو الاميركي، وبالتالي سيتم التوجه الى الجمعية العامة لاقرار المبادرة، لكن قرار الجمعية العامة سيكون مفيدا معنوياً وسياسياً، لكن اسرائيل واميركا لن تكترثا به لأن قرارات الجمعية العامة هي في العادة غير ملزمة الا في حالات استثنائية.
اما المرحلة الثالثة وبعد حصول على قرار الجمعية العامة، بالمصادقة على هذه المبادرة أو تبنيها او عدم حصول ذلك، فان القيادة الفلسطينية ستنضم الى اتفاق روما، وبالتالي الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، تبدأ برفع "دعاوى" قضائية ضد قادة اسرائيليين ارتكبوا "المجازر" بحق شعبنا الفلسطيني. وهذا بالطبع سيفتح معركة سياسية وقضائية عنيفة، قد تقوم اسرائيل على اثرها باجراءات انتقامية بحق شعبنا الفلسطيني.
وهناك مرحلة رابعة وهي التي ستواجه رد الفعل الاسرائيلي العنيف على الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، وهذه المرحلة تتضمن تجميد او الغاء التنسيق الامني مع اسرائيل الذي يتم برعاية اميركية.
أما المرحلة الخامسة والأخيرة فتتضمن اعلان منظمة التحرير عبر الرئيس عباس، حل السلطة الوطنية كاملاً... وتحميل اسرائيل مسؤولية ادارة أمور الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال لحوالي خمسة عقود من الزمن.
محاولات للالتفاف على المبادرة
هناك محاولات للالتفاف على هذه المبادرة، من بينها محاولة الادارة الاميركية، وبالتنسيق مع بعض الدول العربية، على تشجيع الطرف الفلسطيني للعودة الى طاولة المفاوضات مجدداً، لدراسة موضوعي الحدود، وانهاء الاحتلال قبل التوجه الى مجلس الأمن، وقد تكون الالتزامات المالية لاعمار قطاع غزة وسبله من وسائل الضغط التي تستخدم لاقناع القيادة الفلسطينية بقبول ذلك، أي اجراء مفاوضات بمشاركة اميركية عربية. وقد تقبل القيادة الفلسطينية ذلك في اطار اعطاء الفرصة الأخيرة قبل التوجه للأمم المتحدة واستصدار قرار بذلك.
وهناك وسيلة أخرى لابتزاز السلطة الوطنية، وهي استخدام ورقة الدول المانحة من خلال التلويح بوقف دعم ميزانية السلطة الوطنية في حال اصرارها على عدم التفاوض مجدداً.
هناك بعض الدول الاوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية مثل السويد، وقد تلحق بها دول اوروبية اخرى في اطار اعطاء السلطة الفلسطينية دعماً سياسياً مقابل التريث والعودة الى طاولة المفاوضات. وكذلك هناك دول اوروبية، ولربما اميركا ستشارك في ذلك، في اقناع اسرائيل باتخاذ اجراءات على الارض تشجع عودة الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات، ومن بين هذه الاجراءات اعلان تجميد الاستيطان (المقصود: البناء الاستيطاني) لفترة من الزمن، مع اعطاء تسهيلات وتخفيف الحصار عن القطاع، لكن ذلك لن ينجح لسبب أساسي وهو أن حكومة اسرائيل الحالية بزعامة نتنياهو هي حكومة يمينية متطرفة ترفض تجميد الاستيطان او المساس به، وحتى لو كانت الحكومة يسارية لن تستطيع اتخاذ أي اجراء فيما يتعلق بالاستيطان، لان القيامة ستقوم ضدها من قبل المستوطنين، واليمين الاسرائيلي.
السلطة الفلسطينية ما زالت تدرس كل الامور المطروحة، وتجري المشاورات، وبحاجة لاسابيع ولربما لاشهر قبل التوجه الى مجلس الأمن، أي الانتقال الى المرحلة الثانية من خطة تنفيذ مبادرة الرئيس عباس..
والتساؤل الاخير هل ستحدث معجزة خلال هذه الفترة، لتغير اسرائيل من موقفها، أم ان القيادة الفلسطينية ستضطر للتوجه للأمم المتحدة لان آفاق الحل مغلقة، وليس هناك مفر من تجرع هذا الكأس السياسي الذي قد تكون له فائدته أكثر بكثير من التحلي بضبط النفس لفترة طويلة.