التصريحات والتغريدات العنصرية تساهم
في خلق أجواء توتر ومواجهة
استطلاعات الرأي العام الاسرائيلي التي نشرتها وسائل الاعلام العبرية مؤخراً تؤكد أن غالبية المجتمع الاسرائيلي متطرف، إذ أنها تؤيد العدوان على قطاع غزة، وعلى بقية الشعب الفلسطيني في الضفة. كما أن مجموعات ما تسمى بـ "تدفيع الثمن" ما زالت متواجدة على ارض الواقع تقترف الجرائم تلو الأخرى تجاه أبناء شعبنا الفلسطيني سواء في الضفة الغربية أو في القدس وحتى داخل الخط الأخضر.
وارتفعت وتيرة الممارسات العنصرية ضد شعبنا الفلسطيني مؤخراً وبشكل واضح بعد "فقدان" مستوطنين ثلاثة مساء الخميس 12/6/2014، ومن ثم العثور عليهم مقتولين بعد حوالي ثلاثة اسابيع في أحد حقول منطقة حلحول، أي في منطقة ليست بعيدة كثيراً عن منطقة الاختطاف، بضع عشرات من الكيلومترات فقط. إذ أن اليمينيين، سواء اكانوا مستوطنين أو غير مستوطنين، قاموا بمظاهرة صاخبة في احياء القدس الغربية وانهالوا بالضرب على العاملين العرب في المحلات التجارية هناك، مما أدى الى اصابة بعضهم بجروح.
وتواصلت هذه الحملة العدائية العنصرية بحق ابناء القدس العرب من خلال اختطاف الشاب المقدسي محمد ابو خضير في شعفاط، ومن ثم حرقه وهو على قيد الحياة مما ادى الى استشهاده، واندلاع هبّة شعبية كبيرة في القدس العربية احتجاجاً وتنديداً بهذه الجريمة البشعة.
حاولت اسرائيل تهدئة الخواطر من خلال اعتقال الجناة، وما زال التحقيق معهم جارياً، وهم ثلاثة "مجرمين"، وستقدم ضدهم لائحة اتهام بالقتل.
الاعتداء على شابين في بيت حنينا
وما ان هدأت موجة العنف والاعتداءات على العرب في القدس العربية لفترة قصيرة حتى قام مستوطنون بالاعتداء على الشابين امير جلال الشويكي (20 عاماً)، وسامر تيسير محفوظ (20 عاماً) بالعصي وأثناء تواجدهما في مفترق مستوطنة النبي يعقوب في بيت حنينا مساء يوم الجمعة الموافق 25/7/2014 وقد اصيب امير بكسر في الجمجمة وتم نقله الى مستشفى هداسا للعلاج، كما اصيب سامر بارتجاج في الدماغ وجروح في عينه ونقل ايضاً للمستشفى نفسه للعلاج. وقد أجريت لامير الشويكي عملية جراحية في رأسه، في حين أن سامر ما زال يتلقى العلاج، وتعرض أيضاً لكسر في كتفه.
الاعتداء على العرب وسائقي مركبات ايغد للنقل العام
وتواصلت الاعتداءات على أبناء القدس العرب الذين يعملون كسائقين لمركبات أو حافلات (باصات) ايغد للنقل العام إذ تعرض السائق خالد جمال عبيد وهو من العيسوية ويبلغ من العمر 33 عاماً، يوم الاثنين 21/6/2014 لالقاء الحجارة عليه من مستوطنين مما أدى الى اصابته في كتفه، وذلك في احدى محطات الباص في منطقة شعفاط، وتعرض السائق عرفات الطحان (39 عاماً) يوم الأربعاء 23/6/2014 لاعتداء من قبل أربعة مستوطنين خلال عمله على خط مستوطنة راموت إذ انهالوا عليه بالشتائم وعبارات عنصرية منها أن "العرب ارهابيون" وانهالوا عليه بعد ذلك بالضرب مما أدى الى اصابته في عينه التي نزفت بالدم، وتم نقله للمستشفى لتلقي العلاج.
أما السائق أحمد التكروري فقد تعرض يوم الأربعاء 23/7/2014 الى اعتداء في منطقة راموت اذ اصيب برضوض في ظهره، والسائق مراد سمرين (28 عاماً) الذي يعمل سائقاً منذ أكثر من ثلاث سنوات فقد تعرض ايضا لاعتداء المستوطنين يوم الأحد 20/7/2014 واصيب برضوض في ساقيه وصدره.
وقال السائقون أنهم يتعرضون لحملة عنصرية رهيبة، وانهم يهابون من العودة الى عملهم لانه ليست هناك حماية لهم من اعتداءات المستوطنين.
اعتداءات متنوعة على العمال العرب
وشهدت القدس موجة من الاعتداءات العنصرية على العمال العرب سواء الذين يعملون في محلات تجارية، أو في فنادق، وفي مصانع اثناء عودتهم من أعمالهم الى منازلهم، من قبل شبان يمينيين متطرفين يتواجدون على مفترقات الطرق داخل القدس الغربية ينتظرون أي عربي يمر في ساعات المساء حتى يتعرضوا له بالضرب والشتائم.
وهذه الاعتداءات ساهمت في احتقان شعبي كبير ضد هؤلاء المتطرفين، وضد السلطات الاسرائيلية المحتلة لانها لم تقم باجراءات فاعلة لردع هؤلاء المستوطنين، أو توفير الحماية للمواطنين العرب في القدس. وهذه الاعتداءات ترفع من وتيرة الحقد والكراهية وتنعي ما يصفه الاسرائيليون بالتعايش المشترك، وتحرض أبناء القدس على مواجهة الاحتلال وعناصره المسعورة التي تركت لايذاء المواطنين العرب.
المستوطنون مسلحون
ومن يقول أن المستوطنين المتطرفين هم مدنيون فهو مخطىء أو ساذج، فهم مجرمون يحملون السلاح، وكم من مرة استخدموا السلاح للقتل في الضفة الغربية ضد ابناء شعبنا الفلسطيني. وبعد جريمة القتل يدعون أنهم دافعوا عن أنفسهم لأنهم تعرضوا لاعتداء.. مع أن جريمة القتل ترتكب عادة على غفلة من المواطن الشهيد إذ أنه يكون أعزل، ويسير بالطريق ولا يتحرش بأحد.
هؤلاء المستوطنون يحظون بحماية الجيش الاسرائيلي في الضفة، وعناصر الشرطة في القدس وضواحيها، واذا وقعت مشادة كلامية مع العرب فان الشرطة تعتقل العرب وتترك المستوطنين.
حوادث في القطار الخفيف
وتوالت الاعتداءات بمختلف أنواعها على العرب الذين يستخدمون القطار الخفيف في القدس وخاصة اذا كان الراكب عربيا، ويتكلم العربية، كما ان النساء العربيات المحجبات يتعرضن لشتى أنواع الاعتداءات من ضرب، أو محاولة ازالة الحجاب عن رؤوسهن، او من خلال الشتم وبألفاظ نابية وقذرة جداً. وقد قدمت للسلطات الاسرائيلية العديد من "الشكاوى" ولكن هذه السلطات لم تفعل شيئاً، مما ادى ذلك الى مقاطعة العرب أبناء القدس لهذا القطار الخفيف في الفترة الحالية.
القضاء لصالح المستوطنين
ومما يزيد الطين بلة أن القضاء الاسرائيلي متساهل جداً مع المعتدين من المستوطنين، إذ أنه في حال ادانة أي مستوطن، فان الحكم يكون مخففاً، وفي أحيان كثيرة تتم تبرئة المستوطن لاسباب سياسية، أو لاسباب انه "مختل عقلياً"، أو بذرائع مختلفة، في حين أن المواطن العربي الذي يعتقل بعد الدفاع عن نفسه في وجه أي اعتداء استيطاني، يتلقى حكماً قاسياً أكثر من الجلاد الظالم المعتدي، مما يؤكد هذا الامر أن القضاء يقف لصالح المستوطنين، اذ أن العديد من القضاة يتبنون ويحملون أفكاراً متطرفة جداً، وبالتالي هم ضد العرب.
والقضاء عبرتساهله مع المستوطنين واعتداءاتهم، هو عامل مساعد ومشجع للمستوطنين في المضي قدماً في مواصلة اعتداءاتهم على المواطنين العرب في القدس العربية، أي أن القضاء لا يشكل رادعاً قوياً لهذه الاعتداءات، وبالتالي يعتبر المستوطنون المتطرفون أنفسهم انهم فوق القانون، ومن حقهم أن يفعلوا ما يرغبون وذلك تعبيراً عن موقفهم السياسي الحر!
اعتداءات لترحيل العرب
يبدو أن مثل هذه الاعتداءات تلقى التأييد الكبير من متطرفين هم مسؤولون في المؤسسة الحاكمة، وهي تخدم سياستهم ومساعيهم في القدس العربية. وأهم ما في هذه السياسة هو العمل على ترحيل العرب المقدسيين الى الضفة الغربية للعمل هناك بأجور أقل، وبالتالي تفريغ المدينة من سكانها لانه من يعمل في مدن الضفة (هذا اذا توفر العمل هناك) قد يضطر الى الاقامة هناك، وبالتالي وبعد مرور سنوات تتم مصادرة بطاقة هويته الزرقاء، أو يفقد بطاقة الاقامة في القدس، مسقط رأسه ومدينته.
هذه الاعتداءات تضاف الى سياسة التهجير والترحيل القائمة والتي تنفذ على نار هادئة، في حين أن كل العرب والمسلمين يتفرجون على معاناة القدس، وعندما يزداد الضغط عليهم يرسلون لابناء القدس بيانات شجب واستنكار فقط لهذه الاجراءات، وسياسة التهجير تتركز على عدة ممارسات ومنها ملاحقات ضرائبية شتى، من ضريبة دخل، الى تأمين وطني، الى ارنونا.. وقد قامت اسرائيل بمصادرة أكثر من 15 الف بطاقة هيوة من المقدسيين، وما زالت هذه العملية جارية، إذ أن قانون دخول الاجانب لاسرائيل الذي سن عام 1952، هو الذي يطبق على ابناء القدس العرب أصحاب الأرض والمدينة، الذين تحوّلوا حسب القانون الاسرائيلي الى اجانب في مدينتهم!
لغة التحريض العلني
وخلال السنوات الماضية شهدت الساحة الاسرائيلية العديد من التصريحات المحرضة ضد العرب الفلسطينيين من خلال عدم السماح لليهود بتأجير عقاراتهم وممتلكاتهم للعرب، وهذه الفتوى اصدرها حاخام صفد العنصري. وقد تعرض مواطنون عرب عديدون لفصل من أعمالهم لانهم عرب، حتى ان دليلا عربياً يعمل في الكنيست تعرض للفصل من عمله لانه قال في موقع التواصل الاجتماعي ان هناك أسرى مختطفين من قبل السلطات الاسرائيلية.
وقد اشتدت لغة التحريض اذ ان أحد الجنود دعا الحكومة الى توفير السلاح لكل اسرائيلي، ومن ثم اعطاء الاذن لهم لقتل كل العرب في البلاد، وآخر دعا الى اغتصاب بنات وامهات العرب، وخاصة رجال المقاومة.. ودعا آخرون الى اعادة احتلال قطاع غزة وتدمير الشعب فيه من دون رحمة.
هذه اللغة والتصريحات المختلفة والتغريدات العنصرية تشجع اليمين المتطرف على التطاول على العرب عبر القيام باعتداءات عليهم، والقضاء عليهم اذا كان ذلك ممكناً.. وهذه اللغة لم تجد من يوقفها بل هل مستمرة ومتواصلة، وهي مدعومة من وزراء في حكومة نتنياهو، هؤلاء الوزراء يعّبرون ومن دون أي تردد ضرورة القضاء على العرب، بدلاً من الدعوة الى تحقيق المساواة في المواطنة، وازالة الظلم الواقع عليهم نتيجة سياسة اسرائيل العنصرية.
نتائج هذه الاعتداءات
قد تكون هناك نتائج ايجابية وأخرى سلبية لهذه الاعتداءات، ومن أهم هذه النتائج الايجابية للجانب العربي، والتي هي في حد ذاتها نتائج سلبية للجانب الاسرائيلي.
· التأكيد على ان هناك احتلالاً اسرائيلياً للقدس العربية المحتلة، وانه مهما تم عمله لاندماج المدينتين واختلاط مواطنيهما الا ان هذه الاحداث فرقت بين العرب واليهود! وذكّرت أبناء القدس بأن هناك احتلالاً ما زال جاثماً على المدينة، ويجب الا تنسوه عبر انهمامكم في اشغالكم واعبائكم اليومية.
· ايذاء الاقتصاد الاسرائيلي، والكثير من المرافق الاسرائيلية اذ ان ترك العرب لهذه المرافق كعمال يشكل مشكلة لهذه المرافق والقطاعات مما تجبر على البحث عن عمال بدلاء.
· اضعاف الاقتصاد من خلال عدم توجه أبناء القدس العرب الى المحلات التجارية في غرب القدس، وهذا يؤدي الى تراجع في قوة الشراء، ومقابل ذلك سيضطر ابن القدس للتوجه الى الاسواق والمتاجر العربية للحصول على حاجاته واحتياجاته.
· مثل هذه الاحداث تعزز من ثقافة النضال والمقاومة ضد الاحتلال إذ أن الاعتداءات التي تطال المواطن تثير مشاعر الآخرين وتشجعهم على الكراهية والحقد، والعمل على الانتقام.
· ومثل هذه الاعتداءات تشوه صورة اسرائيل أمام العالم، وتشجع الرأي العام العالمي على تصديق الروايات الفلسطينية بأن دولة اسرائيل عنصرية. وهذا بالطبع سيجبر الدول عاجلاً أم آجلاً، على تغيير سياستها تجاه اسرائيل اذا استمرت مثل هذه الاعتداءات، لان هذه الدول لا تستطيع دعم هكذا اعتداءات على المواطنين العزل.
وماذا بعد..
لن تتوقف هذه الاعتداءات الجبانة التي يقوم بها المستوطنون الا اذا وضعت الحكومة الاسرائيلية حدا لها، وهذا امر صعب جدا، لان الحكومة نفسها هي يمينية، وعدد كبير من وزرائها يتبنون ما يقوم به هؤلاء المستوطنون الرعاع. ومن هنا يمكن ان نشهد المزيد من الاعتداءات على المواطنين العرب، والتي قد تولّد أجواء متوترة وحالة من الفوضى في هذه المدينة المقدسة، وبالتالي تؤكد هذه الاحداث على ان المدينة مقسمة وليست موحدة.
في حالة وقوع صدام بين اليهود والعرب في القدس، فان الامر سيكون صعباً والاجواء جدا متوترة، ومن الصعب السيطرة على زمام الامور.
فهل يدرك المسؤولون الاسرائيليون خطورة هذه الاعتداءات؟ أم أنهم يريدونها لتحقيق أجندة خطيرة مفيدة لهم شخصياً وحزبياً.