مصر على طريق العودة إلى مركز قيادة الوطن العربي
في احتفال رسمي كبير أقسم الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الرئاسي يوم الاحد الموافق 8 حزيران/ يونيو ليبدأ مع ذلك عهد رئاسي جديد لجمهورية مصر العربية. وقد تسلم الرئيس السيسي المنصب من الرئيس عدلي منصور الذي كان رئيساً مؤقتاً منذ 3 تموز/ يوليو عام 2013 بعد الاطاحة بالرئيس مرسي عقب مظاهرات صاخبة ضده، وصفت بأنها ثورة 30 يونيو المكملة لثورة 25 يناير/ كانون الثاني عام 2011 التي اطاحت بالرئيس المصري الاسبق محمد حسني مبارك الذي جلس على كرسي الرئاسة لحوالي ثلاثين عاماً.
القى الرئيس السيسي يوم 8 حزيران/2014 كلمة مطولة جامعة وضع فيها الخطوط العريضة لتوجهه، ولنشاطه، وفي ادارة شؤون مصر للسنوات الاربع القادمة. وكان السيسي قد انتخب من قبل الشعب المصري يومي 27 و28 أيار 2014 اذ حصل على نسبة كبيرة من اصوات الذين شاركوا في الاقتراع، هزم فيها منافسه حمدين الصباحي. وامام السيسي ملفات عديدة لمعالجتها، وهي ملفات صعبة ولكن يمكن له أن يحقق الكثير من النجاحات فيها.
ملف الأمن
من أخطر الملفات أو القضايا التي تواجه مصر حالياً هي قضية "الارهاب" سواء أكان في سيناء أو في باقي انحاء مصر، إذ أنه يقلق المصريين الذين عاشوا فترة طويلة من الاستقرار الامني، ولم يتدهور هذا الاستقرار الا بعد ثورة 25 يونيو 2011، وبعد تولي مرسي منصب الرئاسة.
وهناك في سيناء يواجه الجيش المصري مع قوى الأمن المصرية عناصر تدعي أنها "جهادية"، إذ قامت بالعديد من العمليات ضد رجال الامن من شرطة وجنود، ومنذ أكثر من عام، والقوات المصرية تقاتل في سيناء هذه الجماعات "التكفيرية" أو "الجهادية"، واستطاعت الى حد كبير السيطرة الأمنية على الوضع هناك، الا ان هناك فلولاً لهذه الجماعات ما زالت تعمل، وما زالت القوات المسلحة تطاردها، وهذه العمليات العسكرية تحتاج الى مزيد من الوقت.
وتواجه أجهزة الأمن عمليات تفجيرات هنا وهناك في بعض المدن المصرية، لكن هذه العمليات محاصرة، وقوات الأمن مسيطرة عليها كما أن هناك مواجهة لانصار مرسي، أي انصار الاخوان المسلمين الذين يقومون بمسيرات ومظاهرات احتجاجية، ويصطدمون مع قوات الامن أو أبناء الشعب المصري المناوئين للاخوان المسلمين والذين هم مؤيدون للرئيس السيسي.
لقد وعد الرئيس السيسي العمل على مواجهة الارهاب والقضاء عليه، وها هو يقوم بذلك بفضل التفاف القوات المسلحة المصرية حوله، ودعمه في اعادة الامن والاستقرار في ربوع مصر.
ملف الاخوان المسلمين
هناك ملف مقلق وهو ملف الاخوان المسلمين الرافضين لقبول ارادة الشعب المصري بانتخاب السيسي، وما زالوا يرفضون الحوار، ويرفضون أي مبادرات، ويصرون على اعادة عجلة الاحداث الى الوراء عبر المطالبة باعادة الرئيس المعزول مرسي للحكم، معتبرين ما جرى هو انقلاب على الشرعية.
مواجهة الاخوان المسلمين يتم عبر اساليب قضائية بعد أن اعتبر هذا الحزب خارجا عن القانون، وقد تمت محاكمة المئات منهم. وما زالت قوات الامن تلاحقهم وخاصة اولئك الذين يخالفون القانون ويرتكبون مخالفات أو يشجعون أو يحرضون على العنف.
لا شك أن هذا الملف صعب، وامام مرسي مهمة صعبة في محاصرة الاخوان المسلمين كما فعل الرئيس الخالد جمال عبد الناصر عندما منع نشاطاتهم، وحاصرهم، وزج بقياداتهم في السجون.
ملف الوضع الاقتصادي
هذا الملف من أصعب الملفات إذ أنه يتناول مواجهة العجز المالي، والديون المستحقة على مصر، وتوفير القمح والمواد الغذائية الأساسية للشعب المصري. وكذلك تأمين النفط والغاز.
وقد استطاعت حكومة مصر توفير القمح، والحصول على مساعدات مالية. وقررت الحكومة تخفيض دعمها للنفط (البترول) بنسبة معينة مما أدى الى ارتفاع اسعاره بنسبة تتجاوز الـ 75 بالمائة. وسعر لتر البنزين في مصر يصل مع الارتفاع الى حوالي نصف دولار، وهذا منخفض جدا مقارنة بدول عربية عديدة.
لا بدّ أن الحكومة وضعت خطتها للانتعاش الاقتصادي، وقد تكون هناك بعض الصعوبات في بداية المشوار، ولكن حتماً ستساهم الخطة في نقل مصر من حالة الفقر الى حالة افضل خلال السنوات الأربع القادمة.
العلاقات مع الخارج
حرص السيسي على أن تكون علاقات مصر مع دول العالم جيدة. وهو يسعى الى عودة مصر الى دورها الفعال سواء على الساحة الدولية أو على الساحة الاقليمية وخاصة الجزء العربي منها.
لا يستطيع السيسي الآن اتخاذ قرارات حاسمة بخصوص العلاقات مع سورية أو مع دول أخرى إذ أنه في مرحلة بناء مصر.. ويضع في الحسبان ما هو الممكن الآن، إذ انه لا يريد توتر العلاقات مع أية دولة، ومضطر للمسايرة لفترة معينة الى ان يتمكن الوضع الداخلي من تجاوز مشاكله وصعابه. ولذلك فإنه قد لا يتعرض لاتفاقية كامب ديفيد في الفترة الحالية، ولكن قد يعمل مستقبلاً على تعديلها لتخدم مصر بصورة أفضل.
على خطى عبد الناصر
هناك من يقول وبصوت عال أن الرئيس السيسي سيسيرعلى نهج الرئيس عبد الناصر، وهذا لا يعني في أنه سينضم الى الحزب الناصري، أو ينفذ برنامجه، ولكنه يعني أن مصر ستعود الى أخذ دورها، وخاصة في الدفاع عن القضايا العربية، وان يتحقق الاستقرار فيها، وان تعود مصر ايضا لتصبح الدولة الرائدة والقائدة للوطن العربي.
من المبكر جدا الحكم على الرئيس السيسي الآن، لانه تسلم الحكم قبل حوالي الشهر فقط، وامامه العديد من الصعاب والمشاكل ورثها عن الرئيسين السابقين. ولكن آمال الجماهير المصرية والعربية كبير في أن يكون رئيساً قوياً وزعيماً عربياَ تلتف حوله وتسانده وتؤيده الجماهير العربية.. وآمالها كبيرة في أن يحقق لمصر الكثير الكثير من الانجازات لتصبح دولة قوية سياسياً واقتصادياً لها مكانتها المهمة على مختلف الساحات!