من يدعم المجموعات المتطرفة التي
تهدد السلم الأهلي وتدمر باسم الدين
"أبو بكر البغدادي" يعلن اقامة الخلافة الاسلامية في العراق وبلاد الشام، وينصب نفسه خليفة، أي أنه امير المؤمنين.
أبو مالك الشامي يهدد حزب الله، ويقطع وعدا بتحرير السجناء الاسلاميين القابعين في سجن رومية في بيروت. وابو مالك هو أحد قادة (جبهة النصرة)، وليس جزءاً من حركة داعش التي يقودها البغدادي. كتائب ما يسمى بأهل السنة وفي تغريدة الكترونية وعدت بتطهير بعلبك ولبنان من "كنائس الشرك". وبالتالي منع وجود اجراس، وبالتالي لن يتم قرعها!
تصريحات عديدة نقرأها تصدر عن هذه المجموعة أو تلك الكتائب، وكلها تحذر وتنذر باسم "الاسلام"، وكلها تهدف، سواء شئنا أو ابينا، الى تنفيذ مخطط أعداء الامة العربية، بتفتيت الوطن العربي، بعد تقسيم اقطاره مذهبياً، ودينياً وعشائرياً وقومياً وإثنياً.. وبالتالي شطب هذا الوطن عن الخارطة في العالم.
وهذه المجموعات تقاتل على الارض السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات وفشلت في مخططاتها، وتقاتل ايضا في العراق، واليمن وليبيا، ومدعومة من قادة دول قبلت على نفسها ان تكون متآمرة على الوطن العربي، ومن دون أن يعوا بأن التقسيم لن يستثني أحداً اذا نجح في أية منطقة، وقد يتوسع لينتقل الى باقي المناطق في وطننا العربي الكبير.
ومما أعطى هذه المجموعات "نفساً" في الآونة الاخيرة هو تحقيق انتصارات مؤقتة لحركة "داعش" في العراق، من خلال السيطرة على مساحات شاسعة منه.. والمعارك مع هذه المجموعات هو كر وفر، ولن تستطيع هذه المجموعات من "فرض" اجندة اسيادها على امتنا العربية، إذ أن الصفعة الاولى والقاسية التي تلقتها من سورية تؤكد أن جماهير أمتنا العربية واعية لمخططات هذه المجموعات، وستقف في وجهها بكل قوة وحسم وحزم.
قد تطرح تساؤلات عديدة ومن أهمها: كيف استطاعت "داعش" السيطرة على مساحات شاسعة من الارض في العراق، ومن يدعم ويمول داعش وغيرها من المجموعات، ومتى سيتم القضاء على الارهاب ويعود الاستقرار والأمان الى سورية والعراق، وبقية الوطن العربي.
الدعم خليجي بامر اميركي
هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم "مجاهدين"، وهم في الواقع ليسوا مجاهدين بل مرتزقة، يحصلون على السلاح والعتاد بشتى أنواعه، ويحصلون على دعم مالي كبير.. وطبعاً يأتي الدعم من دول خليجية، وخاصة قطر والسعودية. وكل دولة منهما تدعم من هم يحققون اهدافها، وفي بعض الأحيان، وتلبية لامر الادارة الاميركية، يوفرون المال والسلاح لكل المجموعات من دون استثناء، وخاصة عندما يشعر قادة الدولتين بأن هناك خطراً على وجود هذه المجموعة أو تلك، أو جميعها.
وكان الهدف "المعلن" من القتال هو فرض "الديمقراطية" بالقوة على سورية، ولكن الواقع فإن الهدف الاساسي هو اسقاط وتدمير سورية، وقد فشل ذلك، وها هم ينتقلون لتدمير العراق، بعد أن فشلوا في اسقاط سورية.
أسباب الانتصار المؤقت لداعش
لقد استطاعت "داعش" السيطرة على مساحات شاسعة من الاراضي في العراق، وقد انسحبت قوات عراقية من مناطق وتركت المجال لها لتحقيق هذا الانتصار المؤقت. ويمكن القول أن أسباب هذا الانتصار المؤقت عديدة ومنها:-
· في بداية الهجوم شاركت المقاومة الوطنية في ذلك، والجنود العراقيون لم يرغبوا بمقاتلة من هم اخوانهم. لكن داعش استغلت ذلك وسارعت الى الهجوم المباغت، لانه من غير المعقول أن يقاتل البعثيون الى جانب "داعش" لان هناك خلافا عقائديا بين الحزب البعث العراقي، وحركة داعش "الاسلامية".
· يقال أن الهجوم كان مباغتاً، والجيش العراقي لم يتوقعه.
· الجيش العراقي حديث البنية، إذ أن الجيش الأساسي قد تم حله، ولذلك فهو يحتاج الى مزيد من التدريب، والى مزيد من السلاح.
· عامل الدين دخل الى المعركة، وقيل ان الهجوم هو لاهل السنة على أهل الشيعة، وخاصة على رئيس الوزراء الشيعي نور المالكي.
· هناك خلافات سياسية بعد اجراء الانتخابات، وكل مجموعة سياسية تحاول الحصول على أكبر قدر من الحصة في ادارة شؤون العراق.
· ارتفاع الاصوات المنادية بالتقسيم عبر الدعوة الى الفيدرالية.
· قوات البشمركة الكردية هي لحماية الاكراد، وتنفيذ طموحاتهم في الاستقلال، والسيطرة على كركوك هو جزء من بدء انفصال شمال العراق عن حكمه المركز في بغداد.
· اعداد العناصر من حركة داعش الذين شاركوا في هذا الهجوم كانت بالآلاف، وجاءوا من الاراضي التركية، وهم مزودون بأسلحة متطورة.
· هناك احتمال كبير بأن هذا الهجوم تم التنسيق بشأنه بين حكومة اردوغان التركية، وجماعة مسعود البرزاني بهدف اضعاف العراق، وتوجيه ضربة لنظام حكم المالكي في بغداد! وخاصة ان تركيا هي ضد المالكي نظراً لمواقفه المؤيدة لايران.
· جمع عدد كبير من عناصر داعش من داخل العراق وخارجه وتزويدهم بالسلاح، وتوفير المال لهم من عدة دول وخاصة من السعودية. ويقال أن ذمم بعض العشائر قد اشتريت للمشاركة في هذا الهجوم أمام اغراءات مالية، أو بسبب توجهات دينية.
ويمكن وصف ما حدث بالانتصار المؤقت لان عناصر داعش ستكون محاصرة بعد فترة، اذ ان الجيش العراقي اخذ يسيطر رويدا رويدا على زمام الامور، ويجب الا ننسى ان داعش تحارب على اكثر من جبهة، واذا تم قطع الامدادات لها سواء من المال والسلاح، فإنها حتماً ستخسر وستهزم هزيمة كبيرة.
أهداف هجوم داعش الواسع على العراق
نقول أو يقال أن هدف داعش من الهجوم على العراق، هو اقامة دولة الخلافة الاسلامية، ولكن هذا القول ساذج لان داعش هي حركة مرتزقة ولذلك فإن الهدف الاساسي من توفير الدعم لها، والقيام بهذا الهجوم هو اخطر من اقامة دولة خلافة.. انه يهدف الى تفتيت العراق وتقسيمه أولاً وأخيراً، ليتحول الى ثلاث او اربع دول، والهدف الاكثر أهمية للذي ارسل داعش الى العراق هو قطع التواصل بين ايران وسورية عبر العراق، وبالتالي توجيه ضربة لمحور المقاومة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك اثارة فتنة طائفية، وادخال المسلمين في نزاعات وحروب مذهبية متنوعة، وهذا الامر يخدم اولاً وأخيراً أعداء الامة العربية، ويريحهم لسنوات طوال اذا تحقق هذا الهدف الخطير جداً.
المطلوب: القضاء على الارهاب
الى متى سيبقى العراق يعاني من "داعش" واخواتها؟ والى متى ستبقى سورية في حالة مواجهة مع الارهاب؟ وهل يحتاج ذلك الى وقت طويل؟
في بداية الاجابة لا بدّ من القول أن "الارهاب" يبقى قوياً ما دامت هناك امدادات له، سواء بالمال والسلاح؟ واذا جفت منابع الدعم، فان هذا الارهاب سيُولي.. أي ان المواجهة ضد داعش وضد الارهاب هي مواجهة مزدوجة الخطين، خط سياسي، وخط عسكري.. ولا بدّ أن الخط أو المسار العسكري ان يتواصل، والى جانبه جهود لاقناع او اجبار الدول الداعمة للارهاب بالتوقف عن هذه السياسة.. واجبار هذه الدول على وقف الدعم يتم عندما تنجح قوى الارهاب بالعمل داخل هذه الدول، وعندما يشعر قادتها بالخطر، وعندها سيتوسلون مساعدة سورية والعراق من اجل وضع حد لهذا الارهاب الذي طالهم.
ويتوقف هذا الارهاب عندما تكون هناك وقفة دولية جماعية دولية ضد "الارهاب"، ويتم التعامل مع الارهاب بمكيال واضح، وبتوجه واضح وشفاف، فلا يمكن ولا يجوز ان تعتبر اميركا واخواتها واتباعها جبهة النصرة بأنها حركة ارهابية وفي الوقت نفسه تزودها بالسلاح. كما يجب أن لا توصف أية حركة مقاومة مشروعة بالارهاب في حين يتم وصف الحركات الارهابية بأنها حركات ثورة، ومقاومة.
كما أن المطلوب من الدول العربية أن تتكاتف، وخاصة شعوبها، لمواجهة هذه المؤامرة، والتي تستهدف العالم العربي بأسره. وهذا التكاتف له اشكاله وظروفه، ومن حق الجماهير العربية أن تحدد بنفسها ذلك، لأنها هي صاحبة القرار.
واضافة الى ما ذكر فإن القوى التي تواجه الارهاب مطلوب منها أن تتعاون وتنسق لضربه، وبشتى الطرق الفعالة.. مدعومين من الدول الصديقة التي تسعى الى انقاذ العالم من حالة الحروب وعدم الاستقرار، وتسعى الى الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة الذي يطالب بالدفاع عن وحماية سيادة كل دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
المطلوب عمل الكثير، اضافة الى تضافر الجهود لمواجهة الارهاب، فداعش ليست هي الارهاب وحده، بل ان من يدعمها ويساندها هو الارهاب الحقيقي الذي يجب ان يواجه، ويلقن الدرس لوقف مؤامراته الخطيرة التي تستهدف النيل من استقرار شعوب العالم، وتستهدف ايضا استباحة سيادة كل الدول!
قد تستمر المواجهة مع الارهاب فترة من الزمن، ولكنه سيهزم.. والارهاب ليس اقوى من النازية التي وضع حد لها وللابد.. وبالتالي سيوضع حد للارهاب الحالي وللأبد!