انتقل الى الخدور السماوية مساء الأحد الموافق 16 شباط 2014 وفي مدينة الحسكة في سورية، نيافة الحبر الجليل مارديونيسيوس بهنام ججاوي عن عمر قارب الـ 89 عاماً. وقد تم دفن جثمانه الطاهر في دير العذراء في منطقة الجزيرة.
بوفاة المطران ججاوي خسرت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية أحد آبائها الأحبار الكبار، إذ كان علامة في اللغة السريانية، وفي الطقوس والشعائر، وكان يجيد اللغتين العربية والسريانية. كان أديباً وشاعراً إذ كان يملك القدرة على كتابة الشعر العمودي، وكان قد ألف العديد من الكتب.
لقد عانى هذا المطران الجليل في حياته كثيراً، إذ تولى مناصب عديدة،وتنقل من بلد إلى آخر كمسؤول. ومن أهم المسؤوليات التي تحمل أعباءها، مطران ابرشية بيروت في الاعوام 1963 الى العام 1965، وقبل ذلك كان سكرتيرا لدير مار مرقص بالقدس لثلاث سنوات. وفي العام 1983 تولى منصب النائب البطريركي للسريان الارثوذكس في القدس والاردن وسائر الديار المقدسة، واستقال في العام 1995 نظراً لبلوغه سن الـ 70 عاماً إذ يحق للمطران التقاعد الاختياري في هذا السن، أما التقاعد الالزامي فهو في سن الـ 75 عاماً,
اختار التقاعد المبكر لانه تعب بعد عطاء مميز في الديار المقدسة إذ حقق العديد من الانجازات التي يجب عدم نسيانها والحفاظ عليها في سجل حياته لتخليده وشكره على عطائه.
من انجازات المطران ججاوي
لا يتم سرد هذه الانجازات من باب "المداهنة" أو "مسح الجوخ"، فالمطران الجليل رحل وهو في ملكوت السماوات، ولكن المرور على هذه الانجازات التي شهدتها وعشتها ورأيتها هو ضروري للتأكيد على أن عطاء المطران ججاوي كان عظيماً، ولكن لم يكن مقدراً بالشكل اللازم، ومن أهم هذه الانجازات.
· الحفاظ على مكانة الكنيسة السريانية في هذه المنطقة اذ كان يصر على الاحتفاظ بمكانتها بين الكنائس وموقعها خلال أي حفل استقبال رسمي سواء في رام الله أو في داخل الخط الاخضر. وكان يصر على معاملته أسوة بالبطاركة ورؤساء الكنائس من حيث المرور أو العبور من والى الجانب الشرقي من نهر الاردن على جسر الكرامة/ الملك حسين، والكنيسة في الترتيب البروتوكولي تأتي بالموقع الخامس بين الكنائس الـ 13 المعترف بها.
· لم يقم ببيع شبر واحد من اراضي الكنيسة وممتلكاتها، بل حافظ عليها. وبالعكس عمل على توسيع مساحتها من خلال:
· بناء طابق جديد في الدير المرقسي يضم 3 غرف كبيرة.
· اقامة طابق لمكتبة الدير فوق غرفة السكرتير سابقاً.
· اقامة وتحديث شبكات المياه، والكهرباء والمجاري وبناء المزيد من المراحيض لخدمة زوار الدير.
· تحسين وترميم قبو مار بطرس وبولس.
· شراء منزل جديد في البلدة القديمة مجاور وملاصق لبناء هو ملك الدير المرقسي، والبيت الذي تم شراؤه يقع مقابل النادي السرياني الارثوذكسي.
· تعاون كثيراً مع لجنة أوقاف دير مار مرقس المعينة من قبل قداسة البطريرك ما أغناطيوس زكا عيواص الاول سواء في اوائل وصوله الى القدس عام 1983، أو مع اللجنة الثانية التي ضمت جاك خزمو، سمير كوز، ابراهيم جلة، انطون هندو، هذه اللجنة التي بتعاونها مع المطران ججاوي حققت الانجازات العديدة وخاصة في موضوع الازدهار العمراني للكنيسة وبالتحديد لدير مار مرقس.
· نتيجة الحفريات الاسرائيلية في شوارع البلدة القديمة، تصدعت وتشققت جدران الدير المرقسي، وجاهد نيافته كثيراً لدرء أخطار انهيار الدير، وقد اجبر بلدية القدس الاسرائيلية، عبر اتصالاته وضغوطاته وتحركاته، على ترميم الدير، ومعالجة التصدعات والتشققات في جدرانه، وخاصة جدران كنيسة العذراء داخل الدير.
· تم تحسين دخل الدير المرقسي بصورة جيدة، وخاصة من العقارات الموجودة في شارع الانبياء في غربي القدس. ورفض اقتراحاً بتمديد مدة ايجار الاراضي في منطقة المسكونية مقابل مبلغ من المال، واصر مع اللجنة المساعدة له على عدم اجراء أي تمديد لذلك، كما رفض اي عروض لبيع قطعة الاراضي مساحتها 3750 متراً مربعاً الواقعة في منطقة أبو غوش.
· حافظ على ملك الدير في منطقة الشيخ جراح بالقدس من خلال تحسين (تعديل) الايجارة لفندق باركلين، وتصدى قضائياً للمستأجر المحمي حفاظاً على حقوق ملكية الدير لهذا البناء الواقع في منطقة مهمة جدا في القدس العربية.
· حافظ على وحدة أبناء الكنيسة، ولم يفرق فيما بينهم، وبقي السريان أقوياء وخاصة في محافظة بيت لحم.
· من ناحية الحقوق في الاماكن المقدسة، وخاصة في كنيسة القيامة، فقد حافظ عليها بكل ما اوتي من قوة وفكر وحكمة، واعاد بعض الحقوق التي تم تناسيها في السابق.
· في اوائل التسعينات، ونتيجة الاتصالات مع قداسة البطريرك مار أغناطيوس زكا الاول، والحاح لجنة أوقاف دير مار مرقس على تبني رغبة المطران الراحل ججاوي، فقد خدم في دير مار مرقس عدة كهنة اجلاء نذكر منهم: الراهب توما دقمة (الذي هو حالياً النائب البطريركي ومطران بريطانيا وايرلندا ومقره في لندن)، قدس الاب والراهب برصوم كساب الذي يخدم في منطقة القريتين في سورية، والاب عبد الاحد، الذي يخدم في السويد حاليا، والاب ماروثا (المتواجد حاليا في الولايات المتحدة)، والاب بهنام ملكي.. وغيرهم من الذين اتوا لفترة قصيرة وتركوا الدير لاسباب عديدة. وكان يتواجد في الدير في العام 1995، 4 رهبان هم الاب شمعون جان، والاب عبد المسيح شيرو (رحمه الله)، والاب برصوم كساب، والاب عبد الاحد.. وهذا انجاز للدير المرقسي اذ كان يخدمه من قبل طوال عشر السنوات راهبان فقط!
صحفي وكاتب وشاعر
نيافة المطران ججاوي كان صحفياً، وكان كاتباً إذ كان يزود الوسائل الاعلامية وخاصة الصحف، بمقالات دينية جميلة، وقد ألف العديد من القصائد العمودية، والف العديد من الكتب. هذه صورة عن انجازاته في خدمة النيافة البطريركية السريانية في القدس وسائر الديار المقدسة والاردن. ولا بد أن تكون له انجازات أخرى في مسيرة العطاء الديني.
ويكفي أنه تبرع بمبلغ قدره 400 ألف دولار لاقامة دير العذراء في منطقة الجزيرة، وانه اوصي بكل ما يملك من مال بعد وفاته لاقامة جامعة سريانية في منطقة الجزيرة.
لقد كان متواضعاً وحكيماً، يساير الجميع، ويحافظ على الطقوس الكنسية الأصلية، واعد العديد من "النافورات" لخدمة القداديس..
لقد خسرت الكنيسة السريانية هذا المطران الجليل الذي لم يقدره بعض من المؤمنين وظلموه ايضا، وهذه الكلمة القصيرة عنه وعن انجازاته هي بمثابة كلمة حق ووفاء لهذا المطران الجليل الذي ندر حياته خدمة للكنيسة السريانية ورفع شأنها.
(جاك)