قامت قوات الاحتلال الاسرائيلية خلال الفترة الماضية بتصفية عدد من المقاومين والمناضلين الفلسطينيين تحت عذر مرفوض انهم كانوا مطلوبين، ورفضوا اوامر الاعتقال، واطلقوا النار على القوات الاسرائيلية.. ومن بين هذه العمليات العدوانية الاستفزازية على شعبنا ومناضليه قيام هذه القوات بمداهمة مخيم جنين فجر السبت 22/3/2014، وقد اغتالت المناضل حمزة جمال أبو الهيجا (23 عاماً). وقد غضب المواطنون وتصدوا لهذه القوات التي قامت باطلاق النار مما أدى الى استشهاد المناضلين يزن جبارين (23 عاماً)، ومحمود أبو زينة (25 عاماً). وكانت القوات الاسرائيلية قد أطلقت النار على الفتى يوسف أبو عكر الشوامرة (14 عاماً) يوم الاربعاء الموافق 19/3/2014 بالقرب من الجدار الفاصل العنصري في منطقة دير العسل الواقعة جنوب بلدة دورا، وقد استشهد الفتى الذي كان يبحث عن لقمة العيش من خلال البحث عن عمل له. وقد سقط فداء محيي الدين مجادبة من عتيل في منطقة طولكرم يوم 11/3/2014.
أما في منطقة خانيونس على يد القوات الاسرائيلية أيضاً فقد استهدفت طائرة ثلاثة مقاومين من سرايا القدس يوم 11/3/2014 وهم: اسماعيل أبو جودة (23 عاماً)، وشاهر أبو شنب (24 عاماً)، وعبد الشافي أبو معمر (33 عاماً). وقد ردت سرايا القدس على هذا العدوان باطلاق قذائف على الداخل الاسرائيلي، مما وتر الوضع، ووصلت إلى حد وقوع حرب جديدة، أو مواجهة عسكرية جديدة بين القوات الاسرائيلية وأبناء قطاع غزة.
لقد وقعت العديد من الاعتداءات، وسقط شهداء آخرون، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الهدف من هذا التصعيد الاسرائيلي؟ هل تحقق؟ وما خلفياته واجواء توقيته!
التوقيت مدروس
توقيت تصعيد التوتر والمواجهة لم يكن عفوياً، إذ أنه جرى في شهر آذار، وجاء التصعيد بعد الاعلان عن أن هناك لقاءً بين الرئيس الاميركي باراك اوباما والرئيس محمود عباس، وهذا التصعيد جاء من أجل القول والادعاء أن أبناء الشعب الفلسطيني لا يريدون السلام، وانهم يقومون بأعمال مقاومة.. ولا بدّ للجيش الاسرائيلي أن يوقف هذه "الاعمال" التي تشكل خطراً على الأمن الاسرائيلي.
أي ان الهدف هو "التشويش" على زيارة الرئيس عباس لواشنطن، والقول للاميركان أن الوضع في الضفة والقطاع ليس مستقراً، ومن الصعب تقديم أي تنازل، وخاصة الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي المحتلة.
والهدف يتضمن أيضاً ممارسة ضغط على الرئيس عباس ليقبل بالتمديد للمفاوضات، وانه اذا لم يقبل ذلك فإن المواجهة العسكرية وخاصة انتفاضة ثالثة قادمة. والرئيس عباس يؤمن بالمفاوضات وفي احراج اسرائيل أكثر وأكثر عبر هذه المفاوضات، وهو ضد أي أمر قد يسيء لنضال شعبنا، أو قد يغير بوصلة أو شكل النضال. هم، أي الاسرائيليون، يريدون التصعيد، وفي الوقت نفسه يتهمون السلطة الوطنية بالوقوف وراء التصعيد والتوتر، والادعاء أن الرئيس أبا مازن، ليس الشريك "الحقيقي" والقوي؟
ارضاءً لليمين الاسرائيلي
هذا التصعيد جاء من اجل ارضاء اليمين الاسرائيلي من خلال القول له أن الجيش الاسرائيلي يتصدى للارهاب الفلسطيني، وانه لا تهاون مع القضايا الامنية.
وجاء في وقت يسبق الافراج عن الدفعة الرابعة من الاسرى الفلسطينيين القدامى وعددهم يتراوح بين 26 – 30 اسيراً، فالحكومة الاسرائيلية تقول لليمين الاسرائيلي أنها قد لا تفرج عنهم، وخاصة عن اولئك الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية.
وهناك احتمال آخر وهو منطقي، أن الحكومة تريد ارضاء أهالي ضحايا العمليات الفلسطينية الاسرائيليين الذين يعارضون الافراج عن الاسرى الذين يصفونهم "بالقتلة".. او أنها ستحاول استغلال هذه القضية للحصول على مكاسب اضافية مقابل تنفيذ الالتزام الذي قطعته بالافراج عن الاسرى القدامى المعتقلين قبل اتفاق اوسلو.
حاجات أمنية
كانت أجواء التصعيد من خلال تصفية مقاومين، والاعتداء على القطاع، واقتحام مخيمات ومدن في الضفة الغربية تلازمت الكلام بأن وزير خارجية اميركا جون كيري يعمل على وضع اطار اتفاق بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وبالتالي فإن التصعيد جاء ليذكر كيري بحاجات اسرائيل الأمنية، وان أي اتفاق مع الفلسطينيين لن يكون مضموناً، ولذلك لا بدّ من تلبية حاجات اسرائيل الامنية في اطار الاتفاق الذي تضعه، ولا بدّ من أن تنسق مع اسرائيل قبل طرح هذا الاطار على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، أي أن التصعيد يأتي من اجل الضغط أيضاً على كيري لتلبية الشروط والحاجات والاملاءات الاسرائيلية ولو كانت على حساب الطرف الفلسطيني.
التعامل بهدوء في مواجهة الرغبة الاسرائيلية
لقد أدركت القيادة الفلسطينية هدف أو أهداف اسرائيل من هذا التصعيد، لذلك تعاملت معه بهدوء وحنكة حتى لا تعطي اسرائيل فرصة لتحقيق هذه الاهداف. وقد التزمت القوى المقاومة في القطاع باتفاق التهدئة، وحمّلت اسرائيل مسؤولية التصعيد، في حين أن السلطة الوطنية كشفت للعالم أجمع أهداف اسرائيل ومساعيها لجني ثماره، وبالتالي عرّت الموقف الاسرائيلي، وافسدت عليها خططها.
لا بدّ من القول أن أي صدام عسكري مع الجانب الاسرائيلي يكون لصالح اسرائيل عسكريا لأنها تمتلك القوة العظمى، ولديها العتاد المتطور، واما الصراع السياسي من دون عسكر، فإنه يحرج اسرائيل.. ولا بدّ من أن يكون الفلسطينيون حذرين، وان يكونوا مسيطرين على زمام الأمور، وان يكون موقفهم صلباً ضد التصعيد، وان يعروا اسرائيل أكثر وأكثر، وان يواجهوها بقوة المنطق والهدوء، وهذا ما يُغضب اسرائيل، وقد يؤدي الى هزيمتها.