"البيادر السياسي" تسجل أجواء الفرح التي سادت محافظات الوطن ابتهاجاً بتحرير كوكبة من فرسان الحرية
فروانة لـ"البيادر السياسي:ـ
* إطلاق سراح الدفعة الأولى من أسرى ما قبل أوسلو إنجاز بكل المقاييس وكسر للمعايير الإسرائيلية
* لا مفاوضات ناجحة تبقي الأسرى في السجون وتعجز عن تحريرهم
* لا أعتقد أن هناك فلسطيني واحد يقبل أن تكون قضية الأسرى وإطلاق سراحهم ورقة للمقايضة
* مطلوب ضمانات أمريكية مكتوبة لالتزام إسرائيل بالإفراج عن الأسرى
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ تقرير/ محمد المدهون
وأخيراً تنفس 26 أسيراً من عمداء الأسرى الصعداء، وتنسموا عبير الحرية بعد اعتقال دام سنوات طويلة خلف القضبان والأسلاك الشائكة الاحتلالية، والتي قطفت زهرات شبابهم وحرمتهم من العيش في أكناف أسرهم وبين أبنائهم وذويهم.. فرحة عارمة سادت الأراضي الفلسطينية بتحرير كوكبة جديدة من فرسان الحرية الذين أناروا بعذاباتهم وجراحهم دروب الوطن، وكانوا شمعة تحترق كل لحظة من أجل حرية الوطن والشعب، لكن هذه الفرحة تبقى منقوصة طالما بقى أسير واحد في سجون الاحتلال ومعتقلاته النازية.. "البيادر السياسي" ترصد في التقرير التالي الأجواء العامة في قطاع غزة في أعقاب تحرير هذه الكوكبة من سجون الاحتلال.
على معبر بيت حانون "إيرز" شمال قطاع غزة ومع حلول ساعات المساء بدأ الآلاف من المواطنين الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية بالتجمهر والاحتشاد لاستقبال الأسرى المحررين من سجون الاحتلال من أبناء القطاع الذين شملتهم المرحلة الأولى من عملية إطلاق سراح الأسرى ألـ"104" الذين اعتقلوا قبل اتفاقية السلام ما بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال، والتي باتت تعرف "باتفاقية أوسلو".. أعلام الفصائل الفلسطينية امتزجت مع بعضها البعض لتشكل حالة من اللحمة والوحدة الوطنية التي طالما جسدتها قضية الأسرى ولم تكن محل خلاف بين أحد من الفرقاء الفلسطينيين، لتكون دليلاً قوياً على أن عودة الوحدة الوطنية أمر ممكن وليس مستحيلاً.. "البيادر السياسي" سجلت بإعجاب شديد حالة الوحدة التي سادت المكان، فالكل يرقب وينتظر وصول الأبطال الذين دفعوا حريتهم ثمناً لحرية شعبهم، وبالرغم من تعمد سلطات الاحتلال على تأخير لحظة الإفراج إلى ساعات الفجر الأولى من يوم الرابع عشر من آب/ أغسطس، إلا أن المتجمهرين لم يعرفوا الملل، بل أن عزيمتهم قوية على الانتظار مهما طال حتى يستقبلوا الأبطال بالاستقبال الذي يليق بهم، ويحملوهم على الأكتاف، وما أن دقت الساعة الواحدة والنصف فجراً حتى بدأ الأسرى يدخلون عبر هذا المعبر، وسرعان ما التحموا بأبناء شعبهم، الذين حملوهم على أكتافهم وراحوا يهللون مرحبين بهم، وذرفت دموع الفرحة لتمتزج مع دموع الألم من أمهات انتظرن أبنائهن سنوات طويلة ولم تشملهم المرحلة الأولى، لكنهم لم يفقدوا الأمل وجاؤوا ليعبروا عن فرحتهم بتحرير هؤلاء الأبطال، معتبرين أن إطلاق سراح أي أسير من سجون الاحتلال هو مطلب شعبي ووطني وإنجاز كبير.
خطوة مهمة
في خضم ذلك التقت "البيادر السياسي" الباحث المختص في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، مدير دائرة الإحصاء في وزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية وأجرت معه الحوار التالي:ـ
* كيف تنظرون إلى عملة إطلاق الدفعة الأولى من أسرى ما قبل أوسلو؟
- نرحب وبشدة بالإفراج عن الدفعة الأولى والتي تضم أسرى قدامى مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين سنة، وأعتبرها خطوة مهمة نحو تحريك ملف الأسرى بشكل عام، وإغلاق ملف " القدامى " بشكل خاص، وهو إنجاز بكل المقاييس وكسر للمعايير الإسرائيلية .
ونشيد بجهود السيد الرئيس وبكافة الجهود الفلسطينية التي بذلت في هذا السياق، ولكن في القلب غصة بسبب استبعاد واستثناء وتجاوز أسرى القدس وألـ48، وعليه ندعو المفاوض إلى إعادة النظر في آلية وكيفية التعاطي مع هذا الملف في إطار المفاوضات، وعليه فإنني أدعو السيد الرئيس إلى تشكيل لجنة فلسطينية مختصة تضم خبراء ومختصين لمتابعة قضية الأسرى ومسألة الإفراج عنهم في إطار المفاوضات كضرورة ملحة لمساندة المفاوض، ومن جانب آخر دعوة المفاوض الفلسطيني إلى المطالبة وبإصرار بتشكيل لجنة فلسطينية – إسرائيلية مشتركة لبحث ملف الأسرى عموماً، و" القدامى " خصوصاً والمشاركة في تحديد قوائم الأسرى المنوي الإفراج عنهم.
أما من ناحية سياسية أرى بأن الإفراج عن الأسرى يُعتبر المعيار الأساسي الذي يعكس مدى مصداقية وجدية " إسرائيل " في تعاطيها مع استحقاقات " العملية السياسية "، على قاعدة أن لا مفاوضات ناجحة تبقي الأسرى في السجون وتعجز عن تحريرهم .
تنصل إسرائيل
* ولكن إسرائيل رهنت الإفراج عن باقي الدفعة بمدى تقدم المفاوضات.. هل من مخاوف بتنصل إسرائيل من الإفراج عن باقي الأسرى ألـ 104؟.
- الشكوك والمخاوف مشروعة نظراً للتجربة المريرة في التعاطي مع هذا الملف طوال السنوات الماضي، ونظراً لتهرب إسرائيل من التزاماتها وعدم تطبيق ما نصت عليه اتفاقية شرم الشيخ الموقعة في 4 سبتمبر1999، والتي كفلت إطلاق سراح كافة القدامى، لهذا وبتقديري الشخصي كان من الخطأ تجزئة قضيتهم والإفراج عنهم، كما كان من الخطأ منح إسرائيل الحق المطلق في تحديد واختيار الأسماء، لهذا يجب استدراك الأمور.
* هل من تخوف آخر من إعادة اعتقال الأسرى المفرج عنهم كما هددت إسرائيل وكما حصل في صفقة شاليط ؟.
- نعم.. طالما ليس هناك من ضمانات وما يمكن أن يلزم إسرائيل، وإسرائيل تحدثت عن ذلك إذا عادوا وارتكبوا ( مخالفات أمنية ) سيتم إعادتهم لإكمال محكومياتهم، لكن صراحة لا يُعرف إن كانت تصريحات للرأي العام الإسرائيلي، أم أنها جدية ؟.. بكل الأحوال تدعونا للقلق والتخوف لغياب الضمانات الملزمة بعدم إعادة اعتقالهم.
* ألا توجد ضمانات من كيري بهذا الخصوص؟ وإن وجدت هل تثقون بالضمانات الأمريكية؟
- لا ضمانات، والضمان الوحيد هو ربط القضية بالقضايا الأخرى بشكل يقيد إسرائيل ويحمي أسرانا.
* كيف؟
- يعني إسرائيل ربطت الإفراج عنهم بتطور المفاوضات، ونحن علينا أن نربط المفاوضات بسلوك إسرائيل مع الأسرى، أو حتى نربط قضايا الأخرى بهذه المسألة، وللمفاوض أوراق كثيرة، لكن الأهم ضمانات مكتوبة وملزمة وبرعاية أمريكية.. باختصار لا يجب ترك الأمور لحسن النوايا الإسرائيلية أو للتفاهمات الشفهية.
ضمانات مكتوبة
* سأعيد نفس السؤال أخي عبد الناصر.. هل تثقون بأي ضمانات أمريكية إن وجدت؟
- أولاً: يجب أن تكون هناك ضمانات مكتوبة وواضحة وملزمة، وأن يضمن لنفسه المفاوض الفلسطيني الحق في التراجع وعدم دفع استحقاقات أخرى إذا لم تلتزم إسرائيل بذلك، أو لم تنجح أمريكا في إلزامها حتى لا نتحمل كفلسطينيين فشل المفاوضات، ولكن ثقتي بالضمانات الأمريكية من عدمها .. أعتقد أن التجربة الماضية تضعها دوماً في محط الشكوك، ومع ذلك علينا أن لا نستبق الأمور ونسير خطوة خطوة، ولكن بكل الأحوال التزامات مكتوبة وضمانات من الراعي الأمريكي أفضل مليون مرة من تركها لحسن النوايا الإسرائيلية.
* قيل أنه تم استبدال وقف الاستيطان بإطلاق سراح الأسرى.. كيف تنظرون إلى ذلك؟
- لا أعتقد ذلك، ولا أعتقد أن هناك فلسطينياً واحداً يقبل أن تكون قضية الأسرى وإطلاق سراحهم ورقة للمقايضة، وحتى الأسرى أنفسهم لا يقبلون بأن يكون ثمن حريتهم على حساب الأهداف والثوابت التي ناضلوا واعتقلوا من أجلها.. إطلاق سراح الأسرى استحقاق أساسي، ولكن دون شك، إسرائيل تحاول استخدام ورقة الأسرى للضغط والمساومة، وهذا غير مقبول، بل ومرفوض، ولا أعتقد بأن المفاوض يمكن أن يقبل ذلك، وعليه استدراك بعض المسائل حتى لا نقع في أخطاء اتفاق أوسلو وما تبعه.
موسمية
* قضية الأسرى تبقى أحد أهم القضايا المركزية شهدت تقدماً في مرحلة وتراجعاً في مراحل أخرى.. كيف يمكن الحفاظ على هذه القضية لكي تبقى دوماً في الصدارة؟
- أتفق معك وأؤكد لك بأن أكثر ما يعيبنا هو التعامل مع هذه القضية بموسمية وبردات فعل، وبالتالي إذا أردنا لها أن تبقى حاضرة وبالصدارة وباستمرار يجب أن نعمل وفق خطة واضحة وإستراتيجية محددة تبقيها حاضرة في اللقاءات الرسمية وفي الخارج وعبر وسائل الإعلام وفي المؤسسات التعليمية والأكاديمية و..الخ، ربما يفيد في هذا الجانب تشكيل لجنة وطنية مختصة من خبراء ومختصين وتمنح صلاحيات وإمكانيات وضمان الاجتماعات الدورية لأعضائها بهدف متابعة هذه القضية وضمان حضورها بشكل دائم، هناك كفاءات كثيرة وكثيرة جداً في هذا المجال يجب الاستفادة منهم، ومن كل التخصصات.. إسرائيل شكلت لجنة وزارية وطاقم مساعد لبحث مسألة الإفراج عن الأسرى، نحن ماذا شكلنا ؟.
مسألة أخرى الحراك الجماهيري الداعم للأسرى يشكل قوة وعاملاً مهماً للمفاوض الفلسطيني. كان من المهم إطلاق سراح كافة الأسرى القدامى ودفعة واحدة مع بدء المفاوضات، ووضع جدول زمني لإطلاق سراح الفئات الأخرى (أطفال، أسيرات، نواب، مرضى، قيادات سياسية، وآخرين) خلال المفاوضات وتطورها وجديتها كما يقولون.