فرانة لـ"البيادر السياسي":
· إسرائيل تحتجز مئات الجاثمين وتعاقب الشهداء بعد موتهم
· استعادة جثامين الشهداء المحتجزة هو عمل وطني وقومي ووفاءً للشهداء وتقديراً لنضالاتهم
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ تقرير/ محمد المدهون
لا توجد قوة طاغية في التاريخ تعتقل الأموات بعد موتهم، فقد ضربت سلطات الاحتلال الإسرائيلي رقماً قياسياً وتفوقاً عالياً في الظلم والإجرام لم تحققه قوة ظالمة من قبل.. أكثر من ثلاثمائة شهيد من شهداء فلسطين والأمة العربية لازالت تحتجزهم حكومة الاحتلال فيما يسمى بمقابر الأرقام.. مفقودون لا أحد يعرف لهم مصير جراء عنجهية الاحتلال.. شهداء ضحوا بأرواحهم في سبيل حرية وطنهم وشعبهم.. فهل تعود هذه الجثامين الطاهرة لتوارى ثرى أرض الآباء والأجداد ؟.. "البيادر السياسي" تفتح ملف شهداء مقابر الأرقام وتلتقي بالباحث المختص في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، مدير دائرة الإحصاء في وزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية والذي لديه ملف كامل عن هذه القضية ومن أكثر الملمين بها، والمتابعين لها.
عمل وطني
الباحث عبد الناصر فروانة أكد أنه لا يزال هناك أكثر من 300 جثمان محتجزة لدى سلطات الاحتلال، مشيراً إلى أن استعادة جثمان الشهيد حافظ أبو زنط بعد 35 عاماً يفتح ملف الجثامين المحتجزة.
وأكد فروانة في لقاء خاص بـ"البيادر السياسي" أن استعادة جثامين الشهداء المحتجزة هو عمل وطني وقومي، ووفاءً للشهداء وتقديراً لنضالاتهم، وإكراماً لهم من خلال إعادة دفنهم وفقاً للشريعة الإسلامية وفي مقابر إسلامية لا في "مقابر الأرقام ".
و أضاف: لا يسعني سوى الإشادة بالحملة الوطنية لاستعادة جثامين الشهداء من مقابر الأرقام التي أطلقها مؤخراً مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان بالشراكة مع شبكة أمين الإعلامية، وإطلاق الموقع الالكتروني الخاص بذلك، باعتبار تشكيلها خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح وإن تأخر كثيراً، مما يستوجب دعمها ومساندتها، معبراً عن أمله في أن تتوحد الجهود، وأن نرى إنجازات فعلية قد تحققت في القريب العاجل، على طريق تحرير كافة الشهداء الأسرى المحتجزة جثامينهم منذ سنوات لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
عمليات تبادل
ولفت فروانة إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية تمكنت في فبراير شباط 2005 من استعادة رفات 15 شهيداً فلسطينياً.
فيما أوضح بأن منظمة حزب الله اللبناني منحت هذه القضية اهتماماً كبيراً، واستعادت مئات من رفات الشهداء اللبنانيين من خلال عمليات التبادل، أبرزها كان عام 1996 حيث استعادت رفات ( 132 ) شهيداً، وفي عام 1998 استعادت رفات ( 40 شهيداً ) كان من بينهم جثة الشهيد هادى نصر الله نجل الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ حسن نصر الله ، وفي صفقة التبادل في يناير من عام 2004 استعادت رفات ( 59 ) مواطناً لبنانياً، وفي عام 2008 استعادت رفات 199 شهيدا ضمن صفقة التبادل .
وفي السياق ذاته أكد فروانة أن استمرار انتهاج سياسة احتجاز جثامين الشهداء والشهيدات، والإصرار على عدم الإفراج عنها، يضع تساؤلات كبيرة حول جدوى ودوافع وأهداف دولة الاحتلال من وراء ذلك ومنها " سرقة أعضاء الشهداء والشهيدات " وإخفاء آثار جرائمها البشعة المتمثلة في طريقة قتلهم والتمثيل بجثثهم، ومستوى الانحطاط الأخلاقي والإنساني وعدم احترامها للقانون الدولي، مما يضع المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة أمام مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية. ويجب أن يتحرك بشكل جاد تجاه فتح هذا الملف وتوابعه وكل ما له علاقة بالموضوع كمقابر الأرقام وسرقة أعضاء الشهداء، ومصير المفقودين، وسياسة إخفاء واختفاء المعتقلين، والسجون السرية والقتل بعد الاعتقال .. الخ ، والتحقيق بكل الحقائق ذات الصلة المباشرة بالملفات المذكورة وبحث كل الشبهات المثارة حولها، والاتهامات الموجهة للاحتلال وانتهاكاته الصارخة لكافة المعايير الدولية والقيم الإنسانية والأخلاقية، والعمل من أجل ضمان إنهاء هذا الملف المؤلم وإعادة كافة الجثامين لأصحابها وتحرير المرأة الفلسطينية الشهيدة من سجون الاحتلال الإسرائيلي .
معاقبة الشهداء
وقال فروانة: لم تكتفِ " إسرائيل " باعتقالها واحتجازها للبشر الأحياء، والتي استهدفت كل الفئات والشرائح، فشملت اعتقالاتها الشيخ والطفل، المرأة العجوز والفتاة القاصر، المريض والمعاق، المحامي والطالب والطبيب ..إلخ ، بل أمتد إجرامها لتعتقل وتحتجز الأموات، وباتت سياسة احتجاز جثث الشهداء، جزءاً أساسياً من سياستها في تعاملها مع الفلسطينيين والعرب، الأمر الذي يضاف لقائمتها السوداء في انتهاكاتها الصارخة لكافة المعايير الدولية والقيم الإنسانية والأخلاقية، دون أدنى اعتبار لمشاعر أسر الشهداء، وقيمهم الدينية .
وأضاف فروانة: ليس هناك من دولة في العالم مهما كان طبيعة نظامها، تمارس هذه السياسة سوى " إسرائيل"، فهي الوحيدة في العالم التي تعاقب الإنسان بعد موته، من خلال احتجاز جثته في الثلاجات لفترة من الزمن قد تمتد لسنوات، أو دفنه في ما يسمى مقابر الأرقام الجماعية .
وأكد أن " إسرائيل" تعمدت منذ بداية احتلالها لباقي الأراضي الفلسطينية عام 1967، إلى معاقبة الشهداء بعد موتهم، ومضاعفة آلام وأحزان ذويهم، وحرمانهم من إكرامه ودفنه وفقاً للشريعة الإسلامية، وأحياناً أخرى تستخدم هذه الجثامين كورقة للمساومة والابتزاز .
عشرات الأضرحة
وأوضح فروانة أنه لا يقتصر احتجاز جثامين الشهداء على منفذي العمليات الاستشهادية، أو من استشهدوا خلال اشتباكات مسلحة، بل تحتجز قوات الاحتلال الإسرائيلي أيضاً جثامين عدد من الشهداء الذين اغتالتهم وحداتها الخاصة، أو ممن توفوا في السجون الإسرائيلية، ولا زالت تحتجز عشرات الجثامين لشهداء فلسطينيين وعرب سقطوا في ظروف مختلفة، وتلك الجثث تُحتجز في ثلاجات، أوفي مقابر سرية تقع في مناطق عسكرية مغلقة ويمنع زيارتها أو الاقتراب منها أو تصويرها، وهي خاضعة لسيطرة الجيش ووزارة الدفاع، وهذه المقابر تزدحم بعشرات الأضرحة، وهي عبارة عن مدافن بسيطة أحيطت بالحجارة بدون شواهد، ومثبت فوقها لوحات معدنية تحمل أرقاماً بعضها تلاشى بشكل كامل، وهي غير معدة بشكل ديني وإنساني كأمان للدفن، إذ أن كل شهيد يحمل رقماً معيناً، ولهذا سُميت بمقابر الأرقام لأنها تتخذ من الأرقام أسماء للشهداء، ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولية ويشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد، وتلك المقابر تضم أرشيفاً طويلاً وتتسع للمزيد وقابلة للتوسع .
مقابـر شهداء الأرقـام
وذكر فروانة أن في السنوات الأخيرة كُشف عن أربع مقابر للشهداء، معظمها داخل أراضي عام 1948، وهي مقبرة الأرقام المجاورة لجسر " بنات يعقوب "، التي تقع في منطقة عسكرية عند ملتقى حدود فلسطين ولبنان وسوريا، وهي تضم رفات مئات الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلوا في حرب 1982وما بعد ذلك وفيها قرابة خمسمائة قبر، وليس فيها ما يدل على هويات ساكنيها سوى لوحات معدنية تحمل أرقاماً أكلها الصدأ، وتناثرت على الجوانب قبور لا فواصل بينها، ومقبرة بير المكسور، وأخرى تقع في منطقة عسكرية مغلقة بين أريحا وجسر دامية في غور الأردن، خلف الأسلاك الأمنية المكهربة في منطقة جسر دامية في غور الأردن ويحيط بها جدار فيه بوابة حديدية معلق عليها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية " مقبرة لضحايا العدو" ويوجد فيها أكثر من مائة قبر، وتحمل هذه القبور أرقام من "5003 –5107 " ولا يعرف إن كانت هذه الأرقام تسلسلية لقبور في مقابر أخرى أم أنها كما تدعي إسرائيل مجرد إشارات ورموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر الأرقام
وتابع فروانة: أن مقبرة "ريفيديم" تقع في غور الأردن، وتعرف قبورهم عن طريق اللوحات الخاصة والتي تحمل رقماً لكل قبر ومثبتة داخل الرمال ومقبرة "شحيطة" في قرية وادي الحمام شمال طبريا وبالتحديد في سفح الجبل الذي شهد معركة حطين..
وأشار إلى أن صحيفة يديعوت احرنوت العبرية كانت قد كشفت في أوائل شهر كانون ثاني من عام 1994 وجود مقبرتين للشهداء الفلسطينيين وهي مقبرة جسر بنات يعقوب ومقبرة جسر دامية .
مبررات واهية
وأضاف كما تلجأ " إسرائيل" لتبرير جرائمها المختلفة، فإنها لجأت للعديد من المبررات لتبرير استمرار احتجازها للجثامين، فتارة تدعي بأنها تحتجز الجثامين إلى حين الانتهاء من تشخيصها، وتارة أخرى تدعي أنها تحتجزها للفحص، في حين أن ادعاءاتها مدحوضة، لأن التشخيص والفحص لا يتطلبان احتجاز الجثامين لسنوات عدة، فاحتجازها للجثث بهدف الضغط والابتزاز السياسي وأحياناً تشترط الإفراج عن الجثة مقابل تلبية شروط معينة، فمثلاً لحتى هذه اللحظة تحتجز جثة الشهيدين محمد فروانة وحامد الرنتيسي استشهدا في عملية الوهم المتبدد وتربط الإفراج عنهما بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ، والأمر ذاته ينطبق على احتجاز جثث شهداء حزب الله في حرب تموز من العام الماضي .
وسبق لحزب الله أن أعاد جثث تسعة وخمسين مواطناً لبنانياً، والكشف عن مصير أربعة وعشرين مفقوداً لبنانياً وتسليم خرائط الألغام في جنوب لبنان وغرب البقاع وذلك ضمن عملية التبادل التي تمت بتاريخ 29 يناير 2004 .
كما وسبق أيضاً أن أعادت السلطة الوطنية الفلسطينية رفات 15 شهيداً فلسطينياً استشهدوا خلال تنفيذهم هجمات ضد مواقع وأهداف إسرائيلية، ومن ثم احتجزت قوات الاحتلال جثامينهم، عن طريق معبر بيت حانون "إيرز" الواقع شمال قطاع غزة، وذلك بتاريخ 13 فبراير 2005،.
سجون سرية
وربط فروانة ما بين السجون السرية الإسرائيلية ومقابر الأرقام السرية، مؤكداً أن هناك ترابطاً وثيقاً بينهما، وعشرات بل مئات الأسرى الفلسطينيين والعرب الذين اختفوا منذ سنوات واعتبروا في عداد المفقودين، فإما أن يكونوا قد اختفوا في السجون السرية وإما يقضون حكماً بالسجن لسنوات في ثلاجات الموتى، وإما دفنوا في مقابر الأرقام السرية وللأبد، وبالتالي يجب فتح ملفي المفقودين وجثث الشهداء المحتجزة .
وأكد أن احتجاز رفات الشهداء من أكبر الجرائم الإنسانية والدينية والقانونية التي ترتكبها إسرائيل وتتعمد في ذلك لإيذاء ذويهم وتعذيبهم كعقاب جماعي، حيث أن كافة القوانين الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة تمنع احتجاز رفات الشهداء وتلزم دولة الاحتلال بتسليمهم إلى ذويهم.
وطالب الجهات المختصة في السلطة الوطنية الفلسطينية بضرورة تفعيل ملف الجثث المحتجزة داخل إسرائيل، وإعادة الجثامين المحتجزة داخل الثلاجات ومقابر الأرقام إلى أهلها لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة ودفنها وفقاً للشريعة والطريقة الإسلامية .
كما طالب بتحرك دولي للكشف عن " مقابر الأرقام " السرية التي يوجد فيها الشهداء لكونها تفتقر إلى الحد الأدنى من المقومات اللائقة دينياً وإنسانيا، وخاصة أن الكلاب المتوحشة تجول في هذه المقابر وتنهش جثث الشهداء، ودعا المجتمع الدولي للتدخل العاجل للمساعدة في معرفة مصير تلك الجثث والإفراج عنها .
وعبر فروانة عن قلقه العميق إزاء مصير مئات الجثث التي تحتجزها إسرائيل، وهذا الرقم قابل للارتفاع، كما ودان وبشدة، الانتهاكات الإسرائيلية غير المسبوقة لقواعد القانون الدولي وقواعد حقوق الإنسان، ذات العلاقة بمعاملة الإنسان والشهداء .