محاولة إستغلال القوات الدولية لجمع معلومات أمنية عن حزب الله
غضب عارم في اسرائيل بعد الكشف عن شبكات عملائها في لبنان
فجأة، وبعد أربع سنوات من التعايش والعلاقة الجيدة، وقعت صدامات بين أبناء الجنوب اللبناني، وعناصر من قوات اليونيفيل المتواجدة في الجنوب اللبناني مما دعا إلى تدخل واسع النطاق من قبل العديد من دول العالم، وبشكل خاص دولة اسرائيل.
الحكاية والرواية الصحيحة تقول أن القوات الدولية قررت إجراء مناورات عسكرية، (قوات حفظ السلام تجري مناورات) وبدأت هذه القوات بدخول القرى في جنوب لبنان، ثم تمادى تدخلها إلى مداهمة زواريب وشوارع وأزقة القرى، وبدأ جنود هذه الوحدات الدولية بتصوير المنازل ومحاصرتها وتصوير من فيها.. هذا التصرف أثار حفيظة أبناء الجنوب إذ مثل هذا العمل هو منافٍ أخلاقياً، ويعتدي على حرمة المدنيين، وخاصة النساء منهم اللواتي يقمن في هذه المنازل.. أي تصوير من في المنازل وهن مكشوفات الرأس أو في وضع غير مناسب علماً أن المجتمع في الجنوب اللبناني "محافظ" إلى حد كبير، ولا يرضى عن مثل هذه التصرفات، فمنع الأهالي قوات اليونيفيل من دخول الأزقة والانتشار ما بين البيوت، ووقعت بالتالي صدامات.. لأن الأهالي لم يتوقعوا مثل هذا التصرف من قوات اليونيفيل، ولم يشاهدوا مثله خلال السنوات الأربع الماضية.
أهداف غير "بريئة"
إستناداً إلى مصادر لبنانية عديدة، فإن قوات اليونيفيل قررت أن تقوم بهذه الأعمال بعد أن وردت معلومات إليها من اسرائيل حول تحركات في هذه البيوت والأزقة، وحاولت هذه القوات جمع المعلومات من قلب الميدان.
واتهمت أوساط لبنانية القوات الدولية بجمع معلومات لصالح العدو الاسرائيلي، وأن هذه القوات جاءت لحماية الجنوب اللبناني وجاءت لمساعدة الجيش اللبناني في بسط سيادته على منطقة الجنوب، لكن هذه القوات قررت القيام بهذه العمليات من دون تنسيق مسبق مع قيادة الجيش اللبناني.
قائد القوات الدولية الجنرال البرتو سارتا اعترف بوجود أخطاء وتصرفات فردية، وبتعاون القوات الدولية إلى حد ما مع الجانب الاسرائيلي "استخبارياً"، وهذا بالطبع مخالف لمهمة هذه القوات التي جاءت ايضاً لمساعدة الجيش اللبناني والتنسيق معه، لا تحديه والقيام بأعمال فردية، والتصرف كأنها قوة محتلة وليست قوة حفظ سلام واستقرار في المنطقة.
عقدت إجتماعات بين قيادة القوات الدولية وقادة الجيش اللبناني وأهالي المنطقة، وتم وضع النقاط على الحروف، وتمت خلال هذه الاجتماعات "لملمة" هذه الأحداث، والعودة إلى حالة التعايش والوئام، وأخبرت القوات أنها لا تستطيع القيام بأي نشاط إلا بعد التنسيق مع الجيش اللبناني.
ولكن بعض الدول التي لم تعجبها "لملمة" هذه الأحداث، والتوصل إلى اتفاق، حاولت التوجه إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار يدين الأهالي على تحديهم لقوات اليونيفيل. ودعي مجلس الأمن الدولي للانعقاد، ولكن هذا المجلس لم يستطع عقد جلسة طارئة، فاستعاض عن ذلك بإصدار بيان رئاسي طالب فيه بحرية عمل القوات الدولية في الجنوب، وطبعاً هذا يعني تغير أداء ومهام القوات لمصلحة اسرائيل، في مراقبة نشاطات حزب الله ونشاطات المقاومة، ونقل هذه المعلومات للجانب الاسرائيلي.
غالبية قادة لبنان وقفوا ضد هذا التصعيد لقوات اليونيفيل، إلا أن الأصوات "النشاز" بدأت تعقب وتحلل وتبتعد بتحليلها عن الواقع، والهدف من ذلك هو السماح لهذه القوات بالقيام ما لا يجب القيام به، وكذلك للمطالبة بمنع حزب الله من جر لبنان إلى أتون حرب أهلية، أو حرب مع اسرائيل. وهذه الأصوات النشاز أخذت تعتمد في تحليلاتها "الخيالية" عما جرى في الجنوب على ما نشره الجيش الاسرائيلي من معلومات "إستخبارية" ادعى أنها صحيحة، وادعى أنها مقلقة، وأن اسرائيل تسعى لضرب المواقع التي تم الكشف عنها في وسائل الاعلام الاسرائيلية المختلفة.
معلومات الجيش الاسرائيلي
عن "حزب الله"
الجيش الاسرائيلي كشف النقاب عن معلومات استخبارية متوفرة لديه عن "حزب الله" في الجنوب اللبناني وذلك يوم 8 تموز 2010، أي عشية الذكرى الرابعة لاندلاع حرب تموز 2006، وجاء في هذه المعلومات التي نشرتها وسائل الاعلام الاسرائيلية ما يأتي:
1. يملك حزب الله آلاف المستودعات لصواريخ موزعة في نحو 160 قرية "شيعية" في جنوب لبنان، وان جزءاً كبيراً من هذه المستودعات موجودة في بيوت خاصة تسكنها العائلات. وفي حالة إندلاع حرب فستكون هذه المستودعات أهدافاً لهجمات سلاح الجو الاسرائيلي.
2. بنى حزب الله في السنوات الأربع الماضية أكثر البنية التحتية داخل القرى الشيعية الـ 160 في المنطقة الجنوبية خلافاً لحرب تموز 2006 حيث كانت بناه التحتية متواجدة خارج القرى وفي المحميات الطبيعية وداخل أدغال كثيفة، ولكنه الآن لا يستطيع إقامة هذه البنى التحتية إلا داخل القرى نظراً لتواجد قوات اليونيفيل التي يصعب عليها تطبيق قرار مجلس الأمن 1701 ودخول هذه القرى لان المواطنين - وبدعم وتشجيع من حزب الله – سيتصدون لقوات اليونيفيل ويمنعونها من دخول هذه القرى.
3. تعمل كل قرية شيعية مثل وحدة ميدانية تملك مستودعات ووسائل قتالية وخاصة صواريخ المدى القصير والمتوسط ومواقع قيادة وسيطرة مرتبطة بشبكة الاتصال الخاصة بالحزب، ومبانٍ تحت الأرض، وكذلك "أوكار" فيها شحنات ناسفة ستستخدم أثناء الحرب ضد القوات الاسرائيلية الغازية.
4. أقيمت في كل قرية وحدة قوامها ما بين 30 – 200 من مقاومي حزب الله، مهمتهم إطلاق صواريخ على اسرائيل، ودخول معارك لصد القوات الاسرائيلية.
5. في حالة إندلاع حرب فإن حزب الله سيحاول إطلاق 600 إلى 800 صاروخ يومياً على الداخل الاسرائيلي.
6. كشف الجيش الاسرائيلي المعلومات الاستخبارية المتوفرة لديه حول قرية "الخيام" التي تبعد 7 كيلومترات عن الحدود ويعيش فيها الآن حوالي 23 ألف نسمة إذ نشر خرائط بيّن فيها نحو 10 مستودعات للوسائل القتالية منتشرة في وسط مؤسسات مدنية وعلى بعد عشرات الأمتار عن مدارس ومشفى القرية ويعمل في القرية حوالي 90 مقاوماً.
7. تواجد عدد كبير من المقاومين الذين يتحدثون الفارسية، إذ يعمل لدى حزب الله مئات المستشارين العسكريين الايرانيين بقيادة حسين مهداوي.
8. في السنوات الأربع الماضية تسلح حزب الله بأكثر من 40 ألف صاروخ زودته بها سورية وايران، وثلاثة أرباع هذه الصواريخ يبلغ مداها بين 20 – 50 كيلومترا. وبضعة صواريخ قطرها 220 ملم و302 ملم من انتاج سورية، وهي قادرة على إصابة أهداف على مدى 150 كيلومترا. ويملك الحزب صاروخاً طورته إيران وكوريا الشمالية هو "أم 600" قادر على إصابة أهداف مداها 300 كيلومتر وبدرجة عالية من الدقة.
9. طور حزب الله قدرات عسكرية عديدة منها خلايا كوماندو مهمتها دخول اسرائيل والقيام بعمليات عسكرية، وصواريخ لضرب السفن الحربية الاسرائيلية، وأدوات طيران بلا طيارين تحمل مواد متفجرة.
10. في الأشهر الأخيرة – وحسب هذه المعلومات، فإن السوريين نقلوا عدداً محدوداً من صواريخ سكاد قادرة على إصابة أية منطقة داخل اسرائيل.
11. المواطن حسن مهداوي الايراني الأصل واسمه الحقيقي غازي زاهدي، وهو أحد المسؤولين الكبار في الحرس الثوري الايراني، جاء إلى لبنان للبحث عن الثغرة التي أدت إلى اغتيال عماد مغنية (الحاج رضوان)، ومساعدة حزب الله على مضاعفة قوته العسكرية، وأخذ العبر من معارك تموز 2006. وقد تسلم منصب القائد العسكري الأعلى لحزب الله. وهو يعرف لبنان جيداً إذ عمل كسكرتير ثان في السفارة الايرانية في بيروت. وكان هذا المنصب ستاراً لمهمته الحقيقية، وهي رئاسة طاقم المهمات الخاصة لقوات القدس في لبنان.
تهديدات وتوقعات أشكنازي
رئيس هيئة الأركان للجيش الاسرائيلي الجنرال جابي أشكنازي أطلق تصريحات هدد فيها لبنان، وادعى أن اسرائيل لا تستطيع أن تسكت عما يجري في جنوب لبنان من تسليح لعناصر المقاومة، ولا لتضييق الخناق على عمل القوات الدولية في الجنوب اللبناني.
وادعى أشكنازي أن لبنان سيشهد حالة من عدم الاستقرار، وقد تقود إلى "نزاع" داخلي بعد أن تصدر المحكمة الدولية قراراتها "الظنية" أو الإتهامية بحق العديد من الشخصيات وخاصة تلك التي تنتمي لحزب الله، والمتهمة بالتورط في حادثة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري..
وهذا "التوقع" من أشكنازي لم يكن عفوياً بل جاء ليزيد من حالة التوتر على الساحة اللبنانية، وليثير غضب اولئك المعارضين لحزب الله وخاصة القوات اللبنانية. وردّ عليه العمال ميشال عون، رئيس التيار الوطني الحر قائلاً ان اسرائيل لن تستطيع شن حرب جديدة على لبنان إلا إذا تلقت مساعدة من الداخل، وان توقعات أشكنازي حول قرارات المحكمة الدولية وأوامرها ومذكراتها التي قد تصدر في شهر أيلول هي محض خيال أو ان اسرائيل تهيمن على هذه المحكمة، وتعرف كل ما يجري في داخلها، أي أنها محكمة سياسية وليست محكمة لمعرفة الحقيقة.
تساؤلات حول أهداف
نشر معلومات استخبارية
قيام الجيش الاسرائيلي بالكشف عن هذه المعلومات يهدف إلى تحقيق عدة أهداف لم يستطع تحقيقها خلال حرب ضروس استمرت 33 يوماً قبل أربع سنوات، ومن هذه الأهداف:
· إثارة النعرات والفتن بين أبناء الشعب اللبناني حول موضوع إمتلاك حزب الله للسلاح المتطور..
· توجيه تهديد للبنان مفاده أن الوحدة اللبنانية هي لصالح حزب الله، وليست لصالح لبنان.
· أن لبنان مقبل على حرب أهلية، وأن الأصابع الاسرائيلية هي المحركة لهذه الحرب لتحقق ما لم يتحقق عبر القتال.
· جمع معلومات عبر قوات اليونيفيل حول حزب الله وتحركاته، والايقاع بين قوات اليونيفيل وأهالي الجنوب.
· الإيهام بأن ايران تلعب دوراً في تصعيد الوضع في الجنوب اللبناني رداً على قرار مجلس الامن الذي وسع دائرة العقوبات الاقتصادية عليها..
· إدخال لبنان في صراع طائفي من خلال بث شائعات ومعلومات عن المحكمة الدولية بخصوص اغتيال الحريري.
· توجيه رسالة إلى سعد الحريري بأن من اغتال أباك رفيق هم "حزب الله" من أجل إعادة الانقسام مجدداً للساحة اللبنانية.
· سورية ما زالت متواجدة على الساحة اللبنانية من خلال تزويد حزب الله بصواريخ عديدة.
· إن قوة الردع والحسم عادت مجدداً للجيش الاسرائيلي، وهو قادر على خوض غمار حرب جديدة.
المعركة "نفسية"
تخوض اسرائيل معركة نفسية ضد لبنان، وخاصة بعد أن شعرت بأن الهجوم العسكري على لبنان قد يكون مكلفاً، وأن الجيش الاسرائيلي لم يتم استعداداته لذلك.
ستحاول اسرائيل خلال الفترة القادمة على بث شائعات وأقاويل بشتى الطرق، وعبر الوسائل المختلفة، وعبر عناصر عديدة من أجل معاقبة لبنان على أمر واحد مهم، وهو أنه استطاع "فك" العديد من الخلايا العاملة لصالحه على الساحة اللبنانية، وكان آخرها العميل الكبير الذي كان يضع كل الاتصالات اللبنانية تحت السيطرة الاسرائيلية. وبعد فك هذه الحلقات والمجموعات شعرت اسرائيل بأنها فقدت مصادر مهمة للمعلومات فبدأت بالتفكير في الانتقام من هذا العمل اللبناني المعادي لها، والذي مس بقدراتها الاستخبارية، وها هي تبث الشائعات، وتحاول استخدام المحكمة الدولية وقوات اليونيفيل لتمرير مخططاتها أو الحصول على معلومات من خلال زرع خلايا جديدة عبر اشغال لبنان في صراع داخلي. وخاصة أن الانقسام الداخلي يضعف لبنان، ويعطي الأرضية الخصبة لهذا العمل الاستخباري، أما إذا كان لبنان قوياً وموحداً، فإن إمكانية اختراقه تضعف، ويتم كشف النقاب عن عملاء وخلايا اسرائيل التجسسية في لبنان.
لبنان قوي ويقظ
لبنان قوي من خلال وحدته، ومقاومته، ووعيه لكل ما يحاك ضده.
لبنان قوي لأن هناك ظهراً قوياً يسانده ويدعمه، وهو الجارة سورية التي توفر له كل ما يلزم ليكون قوياً ومستقراً..
وقوي أيضاً لأن قادته يقظون وحذرون وواعون وأن هذه الحرب "النفسية"، حرب الطابور الخامس، ستفشل على الساحة اللبنانية كما فشلت الحرب العسكرية في عام 2006.. وأن محاولة "تخويف" لبنان من خلال تصريحات هي محاولة فاشلة... ولبنان قوي قادر على التصدي على أي عدوان، وخاصة العدوان الاستخباري النفسي المدعوم من جهات دولية عديدة.