لقد قدم الرئيس الاميركي دونالد ترامب العديد من الوعود خلال حملته الانتخابية الكبيرة على مدار شهور عديدة. ولكنه لم يقدم وعدا واحدا مهما لاميركا والعالم كله، الا وهو اعادة المصداقية للولايات المتحدة امام شعوب العالم، مع ادراكه ومعرفته وقوله ان الرؤساء الاميركان السابقين اخطأوا كثيرا في معالجتهم للقضايا الاميركية الداخلية، وفي سياستهم الخارجية.
لقد خسرت وفقدت اميركا مصداقيتها أمام شعوب العالم عبر سلسلة من الاحداث والتصرفات ومن أهمها:
لقد كان الغزو الاميركي للعراق مبنياً على كذبة كبيرة بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل مع علم ادارة الرئيس الاميركي وقتها جورج بوش الابن بأن هذا الاتهام للعراق لم يكن صحيحا، وكانت الكذبة من اجل تدمير العراق. وهذا ما اعترف به وزير خارجية اميركا وقتئذ كولن باول.
وفقدت اميركا مصداقيتها عندما تخلت وباعت الرؤساء العرب الذين كانوا حلفاء لها، ولا نقول اتباعاً، من اجل كذبة اخرى وهي تحقيق الديمقراطية في الشرق الاوسط. فقد تخلّت عن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس المصري حسني مبارك، والرئيس الليبي معمر القذافي الذي استسلم كاملا للسياسة الاميركية، وقدم لها ما لم يقدمه أي رئيس في العالم من تنازلات، واصبح رئيسا مهما في العالم بعد حصوله على تأييد ودعم قادة فرنسا وايطاليا والعديد من الدول الاوروبية. وكانت نتيجة هذا الاستسلام القضاء عليه، وعلى ليبيا، وتمزيقها، وتحويلها الى مرتع دولي للارهاب.
وهناك الادعاء بان اميركا تحارب الارهاب وتقف ضده، وتوجهت عبر جيوشها الى افغانستان للقضاء على تنظيم القاعدة، وتم القضاء على مؤسسها بن لادن، ولكن التنظيم مستمر في ارهابه وذلك بدعم اميركا لان الارهاب اصبح وسيلة قذرة لتنفيذ مهمات وتحقيق اهداف اميركية خبيثة. واصبح الارهاب، وللاسف، الجيش "الاميركي" الخفي الذي يحارب نيابة عن اميركا في العديد من دول العالم من اجل قلب نظام حكم، وتنصيب رؤساء موالين للسياسة الاميركية. ولكن هذه السياسة أصبحت مكشوفة للعالم كله، وما زالت اميركا حتى يومنا هذا تدعم جماعات ارهابية بمسميات عديدة "معارضة معتدلة"، "جماعات اصلاح"، ولكن في الواقع هي جماعات ارهابية حسب المقاييس الاميركية والعالمية!
كم من وعد قطعته اميركا ولم تنفذه. فقد وعد الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما بأن يحقق حلا عادلا للقضية الفلسطينية، وان يكون راعيا نزيها وحياديا للمفاوضات والمسيرة السلمية، ولكنه في الواقع لم ينجح في ذلك. ووزير خارجيته، جون كيري، طلب من القيادة الفلسطينية العودة الى طاولة المفاوضات لمدة تسعة شهور مقابل الافراج عن الاسرى القدامى عبر اربع دفعات، ولكن الدفعة الرابعة لم تتم حتى يومنا هذا، وكذلك لم يعلن كيري من الذي يتحمل مسؤولية فشل هذه المفاوضات. وقد حصل الرئيس الاميركي اوباما ايضا على جائزة نوبل للسلام عام 2009 لانه اعلن ان لا حروب بعد اليوم، ولكنه هو المسؤول عن حروب عديدة خاضتها اميركا ولكن عبر وكلاء ومجموعات واذناب!
لقد تعاونت روسيا الى حد كبير مع الادارة الاميركية، وذلك من اجل ايجاد حل سياسي للازمة السورية، علما أنها ليست ازمة، بل هي مؤامرة شاركت فيها حوالي مائة دولة بقيادة اميركا لتغيير نظام حكم مستقل ويهتم بمصلحة شعبه، ويرفض الولاء لاميركا أو لغيرها من القادة في العالم. انه يخدم الجميع، ولكن ذنبه الكبير انه يدعم ويناصر المقاومة المشروعة، ولا يناصر الارهاب الاميركي، او الهيمنة الاستعمارية على العالم كله. وقد تم التوصل الى اتفاق بين وزيري خارجية روسيا واميركا في شهر ايلول المنصرم، ولكن الوزير الاميركي كيري "لحس" الاتفاق، ونكث بوعوده، ولم يحترم توقيعه لان الاتفاق يعني تخلي اميركا عن الارهابيين، وهي لا تريد ذلك! بل تريد المزيد من الدمار لسورية ولمناطق عديدة من العالم.
هناك أمثلة عديدة تؤكد عدم مصداقية اميركا، ولكن تم الاكتفاء بما ذكر، مع اليقين بأن الرئيس الاميركي القادم دونالد ترامب يعرف هذه الاخطاء وهذه السياسة الاميركية الفاشلة تجاه شعوب العالم كافة!
لا بدّ من الاعتراف بأن الشؤون الداخلية في اميركا مهمة، وقد تكون من أولويات الرئيس ترامب، ولكن ما هو مطلوب منه اولا وقبل كل شيء ان تحترم اميركا تواقيعها على العديد من الاتفاقات مع العديد من دول العالم، وخاصة الاتفاق الاميركي الروسي بخصوص سورية، وان يكون صادقا في وعوده بالتصدي للارهاب من خلال خطوة واحدة، وهي عدم توفير الدعم له، ومنع اتباعه من الدول من القيام بذلك أيضا.
من الصعب الحكم على ما قد ينفذه الرئيس ترامب من وعود عديدة.. ولكننا نقول له وبكل صراحة: "اعد المصداقية لاميركا يا أيها الرئيس ترامب، فهذه المصداقية هي التي ستؤكد وتظهر ان اميركا دولة كبرى حقاً وحقيقة"!