راهن قادة عرب على فوز المعسكر الصهيوني بقيادة اسحاق هرتسوغ وتسيبي ليفني في الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة التي جرت يوم 17/3/2015، ولكن رهانهم ذهب ادراج الرياح إذ أن حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو فاز في هذه الانتخابات، وسيشكل قريباً حكومته الرابعة اليمينية، اذ أن كل حكومة يشكلها تزداد تطرفاً، وتشدداً.
هذا الرهان يأتي لأن كثيرين يظنون بأن حزب العمل (المعسكر الصهيوني) هو أفضل للمسيرة السلمية، وقد يحقق سلاماً مع الجانب الفلسطيني. وهذا الظن خاطىء، وفي الوقت نفسه ساذج، لعدة أسباب وأهمها:-
· من احتل الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان في حزيران 1967 هو حزب العمل، وهو الذي رفض تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الصادر في خريف عام 1967.
· ومن بدأ الاستيطان في المناطق العربية المحتلة عام 1967 هو حزب العمل، ومن المستوطنات الاولى التي أقيمت مستوطنات كريات أربع، وكفار عصيون، وفي القدس رمات أشكول والتلة الفرنسية.
· حاول المغفور له الملك حسين بن طلال، وبناء على تكليف ودعم من القادة العرب، محاولة تحقيق سلام مع اسرائيل مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة في حزيران 1967، لكن حزب العمال أصر اصراراً قوياً وصلباً على عدم قبوله باعادة تقسيم القدس، وبقائها تحت السيادة الاسرائيلية. ولا ننسى ان حزب العمل هو الذي قرر ضم القدس العربية الى اسرائيل، ومنح أبناء القدس بطاقات هوية زرقاء هي عبارة عن بطاقة هوية اقامة دائمة تمنح للأجانب ضمن قانون صدر في أوائل الخمسينات واسمه "قانون دخول واقامة الاجانب في البلاد"، أي أن مواطني القدس هُم مواطنون أجانب حسب قوانين الداخلية الاسرائيلية المعمول بها حتى الآن.
· من أقر بناء جدار الفصل العنصري حول الضفة الغربية هو ايهود براك وهو رئيس وزراء "عمالي"!
· ومن بدأ بتطبيق القوانين الصارمة على أبناء القدس الذين يقيمون في الخارج ويحملون بطاقات هوية زرقاء، أو حتى الذين يقيمون في الضفة الغربية هو حزب العمل أيضاً، وهذه القوانين الصارمة تنص على مصادرة بطاقة الاقامة اذا مكث أي مواطن خارج حدود بلدية القدس الاسرائيلية، لمدة سبع سنوات. وقد تمت مصادرة حوالي 15 ألف بطاقة هوية من أبناء القدس حتى الآن.
· اليس حزب العمل هو الذي يُجمّل وجه اسرائيل أمام العالم كله، وهو الذي يضحك على الجميع.
وهذا لا يعني أن حزب الليكود هو أفضل أو أن أي حزب صهيوني آخر يمكن الرهان عليه.. كلهم متفقون على ثوابت اسرائيلية وهي:-
1. عدم تقسيم القدس، وضرورة بقائها عاصمة موحدة وأبدية لدولة اسرائيل.
2. لا انسحاب كامل الى حدود 4 حزيران 1967.
3. لا للاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
4. لا لازالة المستوطنات سواء أكانت في الضفة أو في الجولان أو في القدس.
هناك خلاف أو اختلاف في وجهات النظر فيما بينهم حول حل القضية الفلسطينية، ولكنهم على أرض الواقع، متفقون على ان تكون الدولة الفلسطينية هي مجرد حكم ذاتي "ناقص"، وتحت السيادة الاسرائيلية.. ومن يدعي أنه يؤمن بحل الدولتين فهو كاذب، وغالبية الأحزاب ترفض منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً كاملاً، وخير شاهد واثبات على ذلك فشل المفاوضات المصرية الاسرائيلية لتطبيق الجزء الثاني من اتفاقيات كامب ديفيد، وحاول المفاوض الاسرائيلي عرقلة هذه المفاوضات، والتهرب من تنفيذ وتطبيق هذه الاتفاقيات كاملاً.
قد يسأل أحدهم: هل نتنياهو أفضل لنا من هرتسوغ؟ وبصراحة الاثنان يخدمان دولتهما، ويعملان لمصلحتها.. ولكن نتنياهو يخدمنا أكثر لأنه متطرف ويقول بما يؤمن به بكل صراحة، ولذلك فاننا نتعامل مع خصم متطرف واضح الرؤية، وواضح الموقف، ونعرف ماذا سيقدم من أجل السلام، وماذا لن يقدمه للمسيرة السلمية.
حزب العمل يحسّن من وجه اسرائيل بصفته حزباً اشتراكياً، ولكن حزب الليكود يقود حكومة يمينية، سيخدمنا اذ أنه سيعري اسرائيل أمام العالم كله، وسيمنعنا من العيش في أحلام واهية وآمال فارغة. ومن هنا يجب القول وبكل صراحة أنه لا يمكن المراهنة على أي حزب صهيوني، فمصالح دولته فوق كل المصالح الذاتية.. وامكانية تحقيق سلام مع أي من هذه الاحزاب أمر مستحيل لان المعسكر اليميني المتشدد والمتطرف الناكر لحقوق شعبنا المشروعة يرفض اقامة دولة فلسطينية، وبالتالي فان خيار حل الدولتين قد اصبح بعيد المنال، ومن المستحيل تطبيقه على ارض الواقع.
ويجب أيضاً الا نراهن على اي مساعدة اميركية أو موقف اوروبي حاسم وحازم، بل يجب المراهنة فقط على انفسنا من خلال الاعتماد على قوتنا، وعضلاتنا، وفكرنا، وامكانياتنا. ويجب ان نوحد ونرص الصفوف، ونعمل على تحقيق وحدة وطنية، التي أصبحت في خبر كان، ويجب ان تعود الى الساحة وهي اكثر قوة وتماسكا.
اذا كنا اقوياء، الجميع سيحترمنا، ويصغي الى مطالبنا. واذا كنا من معسكر الضعفاء أو المتكلين على الآخرين، فان لا أحد سيصغي الينا، بل عدونا وخصمنا سيتمادى وسيتطاول أكثر وأكثر على حقوقنا.. ولا بدّ من التأكيد على أن سلام الأقوياء هو الأكثر صمودا واحتراماً وثباتاً، أما سلام الضعفاء فهو سلام هزيل هش يسقط في اية لحظة.
لا تقولوا أن اسرائيل تريد سلاماً، فهذا غير صحيح، فهي اختارت اليمين ليحكم البلاد. ولا تتمسكوا بحل الدولتين، فقد ولى منذ زمن بعيد، وقلنا ذلك مراراً، اذ أن الوضع على ارض الواقع، ومواقف غالبية الاحزاب الصهيونية، وحتى الدينية منها، كلها عوامل تقول وداعا يا حل الدولتين، وتؤكد أنه لا بدّ من الاعتماد على الذات أولاً وأخيراً، وان نضع استراتيجية عمل طويلة الامد لمواجهة المعطيات على الارض، وللنضال من اجل الحصول على حقوقنا كاملة.
لنعمل جميعا لمصلحة الوطن اولا واخيرا، ولتكن المصلحة العامة فوق كل المصالح الذاتية والحزبية.. ولنعش الواقع بعيداً عن أحلام واهية وخيالية، وليكن شعارنا دائماً: "الاعتماد على الذات فقط"، ولا للرهان على حصان خاسر وغادر"!