من يدعم، يمول، يساند، ويسلح "الارهاب" فهو الارهابي الحقيقي الذي يجب أن يكون عقابه اضعاف اضعاف العنصر الارهابي الذي مارس هذه المهنة بعد تضليل فكري، أو بسبب وضع اجتماعي.. هذه هي المعايير التي يجب أن يستند اليها أي انسان أو زعيم أو حكومة يرفع أو ترفع شعار مكافحة الارهاب.. ويجب أن تكون المكافحة جادة وليست وهمية أو دعائية لتغطيه أخطاء وجرائم ترتكبها هذه الجهة وتلك الحكومة أو ذلك التنظيم.
اميركا تقود اليوم "تحالفاً" ضد تنظيم "داعش" (الدولة الاسلامية في العراق والشام)، وحشدت عشرات الدول، وقام مجلس الأمن الدولي مؤخراُ بتبني قرار – بالاجماع – رقم 2178، الذي يجرّم ويحرّم دعم الارهاب، ويطالب بضرورة تجفيف منابع ومصادر دعم الارهاب في العالم... ولكن التساؤلات التي يجب أن تطرح على اميركا وحلفائها: من خلق أو أسس أو أنشأ مثل هذه التنظيمات الارهابية؟ والم تُستخدم في يوم ما لتنفيذ مآرب وأهداف اميركا لضرب خصومها ومنافسيها؟ وهل هناك مكافحة جدية "للارهاب" في العالم؟ وهل هناك تعريف لـِ "الارهاب" وبالتالي يمكن تقييم اذا كان هذا التنظيم ارهابياً أو مقاوماً شرعياً، أو تنظيماً "ثورياً" يقود نحو البناء أم الهدم والدمار.
اذا القينا نظرة على ما يجري في العالم، فانه يمكن القول وبكل صراحة أننا نعيش في عالم الغاب... القوي يحاول القضاء على الضعيف، والقوي يتصرف وكأنه الحاكم بأمر الله على العالم كله، يحلل ما يريد، ويحرم ما لا يريده.
لننظر الى الارهاب في المنطقة حسب ما أعلنه وتبناه المجتمع الدولي.. جبهة النصرة هي تنظيم ارهابي، وتنظيم القاعدة (النبع الأم والرئيس لكل التنظيمات المتشددة) هو ارهابي، وتنظيم داعش ارهابي أيضاً.. الخ
اميركا قادت تحالفاً في أفغانستان قبل 13 عاماً لمكافحة تنظيم القاعدة بزعامة الشيخ أسامة بن لادن، أما اليوم فهي تقود تحالفاً في المنطقة لمكافحة "داعش"، وها هي الطائرات الحربية تشن "غارات" على مواقع هذا التنظيم من دون أي تأثير جدي عليه، لأنه يستمر في مخططاته وكأن هذا التحالف يعمل على "تقوية" هذا التنظيم، وتسويقه أمام العالم كله..، أي أن التحالف لم يأت للقضاء على "داعش"، بل لمحاصرته وترويضه ليعمل حسب الرغبة أو المصلحة الاميركية.. لقد أعلن قبل أكثر من سنتين أن تنظيم جبهة النصرة هو تنظيم ارهابي، ولكن ماذا فعلت اميركا لمحاربته؟ لا شيء، بل قامت الدول الحليفة لها بتزويد هذا التنظيم بالعتاد والمال لانه قد تم توظيفه لتدمير سورية.. وبالتالي يخدم مصلحة اميركا في ضرب محور المقاومة في المنطقة.
اليوم، اميركا تحارب ارهاب "داعش"، ولكن حليفتها تركيا تدعم هذا التنظيم الارهابي بشتى الطرق والوسائل، وتستغله من اجل القضاء على مطالب وطموحات الاكراد الوطنية، وللقضاء على الاحزاب الكردية المقاومة للسياسة التركية، ولتحقيق أطماع عثمانية في المنطقة، اذ أن معظم قادة تنظيم "داعش" عبروا وتسللوا الى العراق وسورية عبر تركيا، وكلهم اجروا اتصالات ولقاءات مع قادة ومسؤولين أتراك سواء اكانوا عسكريين أم سياسيين. ومن يصاب من قادتهم بجراح ينقل الى داخل تركيا لتلقي العلاج.. أي أن تركيا تخالف قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2178، فهي تدعم الارهاب، واميركا لا تفعل شيئاً بل تتوسل اليها كي تنضم للتحالف، حتى ولو كان هذا الانضمام شكلياً.
واسرائيل تقدم الدعم أيضاً لجبهة النصرة واخواتها في منطقة الجولان تحت شعار تقديم مساعدات انسانية.. اذ أن العديد من جرحى المعارك نقلوا الى اسرائيل حيث تمت معالجتهم، واعترف وزير الحرب الاسرائيلي موشيه يعالون بأن اسرائيل تقدم مساعدات للمعارضة "المعتدلة" في سورية، أي أنه يعترف بتدخل اسرائيل في الشأن السوري.
اميركا تعاقب روسيا اقتصادياً باتخاذ قرارات اوروبية و"دولية" جائرة بذريعة تدخل روسيا بالشأن الاوكراني، في حين ان اميركا تتدخل – وبصورة مخالفة للقوانين الدولية - بالشؤون الداخلية للعديد من الدول في العالم.. فهي "ادخلت" انفها في سورية، وهي تتحمل مسؤولية الدمار الذي تعرضت له، وما عاناه الشعب السوري من دمار وآلام نتيجة دعم اميركا للارهاب الذي أسمته "ثورة".. وفي نظر تركيا أيضاً ان هذا الارهاب في سورية هو "ثورة"، ولكنها تصف حزب العمال الكردستاني بانه ارهابي.. وحتى ان مسؤولا تركيا قال ان تركيا لم تتدخل في ما يجري داخل مدينة "عين العرب" لأن القتال هناك بين ارهابيين.. حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي هو ارهابي، وحزب العمال الكردستاني هو ارهابي وهما في مواجهة تنظيم داعش "الارهابي"! وهذا المسؤول – تماماً كما هم مسؤولوه – يطالب بأن يوجه التحالف ناره نحو الدولة في سورية لاسقاطها، وكأن تركيا مسؤولة عن المنطقة، وهي التي تختار من يحكم سورية، أو العراق أو أي دولة عربية.
إننا نعيش في عالم عديم الاخلاق والقيم، نعيش في "غابة" تحكمها الوحوش المفترسة... والأمم المتحدة المنظمة التي يجب أن تقف ضد كل ما يجري، تتفرج على ذلك بعد أن أصبح أمينها العام موظفاً صغيراً لدى تلك الوحوش الضارية.
لقد حان الوقت كي تتحالف الدول المتمسكة بالقانون الدولي، والداعمة للشرعية الدولية، وان تقف بالمرصاد لكل ما نشهده... وحان الوقت لكل شعوب العالم بأن تنتفض ضد سياسة جائرة تمارسها وتنفذها الادارة الاميركية بحق الشعوب التي ترفض أن تكون تحت هيمنتها أو تحت جناحيها.
اذا استمرت هذه الحالة السلبية السيئة، فإننا نقولها وبكل صراحة أن من يدعم الارهاب، سيكتوي بناره عاجلاً أم آجلاً، ونقول أن العالم يتجه نحو المجهول، أي نحو المزيد من الفوضى والدمار، والمزيد من المعاناة والآلام... وسيدفع من يتسبب بذلك الثمن الباهظ في نهاية المطاف! وان شاء الله في المستقبل القريب لا البعيد.