ما هي العقبات أمام قيادتنا الفلسطينية للانضمام الى محكمة الجنايات الدولية حتى تصبح فلسطين عضوا في هذه المحكمة، وتحصل بالتالي على حق مساءلة ومحاكمة القادة الاسرائيليين المسؤولين عن جرائم ومجازر ارتكبوها بحق شعبنا الفلسطيني من خلال العدوان الشرس على قطاع غزة أكثر من مرة، وآخرها العدوان الحالي الذي دمر وقتل وشرد والحق خسائر كبيرة في القطاع، مع محاولة ابادة شعب من خلال القضاء على عائلات بأكملها في قصف جوي بربري شرس؟ ما هو المانع من تقديم الطلب الآن؟ اليس هو الوقت المناسب؟
ندرك أن للقيادة الفلسطينية حسابات مختلفة عن حساباتنا، واذا كانت هناك مثل هذا الخلاف فلماذا لا توضح لنا ما هي حساباتها وأسباب تأجيلها المستمر والمتواصل لتقديم مثل هذا الطلب؟ وعليها أن تقول وبكل وضوح اذا كانت هناك ضغوطات اميركية ممارسة عليها، أم ان هناك تهديدات، أم ان هناك آمالاً معقودة على ان المفاوضات قد يتم استئنافها من أجل التوصل الى اتفاق شامل حول القضايا النهائية.
والتساؤل الذي يطرحه كثيرون: هل سنسامح القادة الاسرائيليين على ما اقترفوه من جرائم؟ هل نضحي بدماء الآلاف من شهدائنا مقابل آمال في التوصل الى اتفاق؟
لن تقدم القيادة الاسرائيلية الحالية ولا القيادة القادمة وبعد سنوات أي شيء من اجل التوصل الى اي اتفاق، لان المجتمع الاسرائيلي، وخاصة المجتمع اليهودي، ينحرف وينجرف كثيراً نحو التطرف والتشدد حتى ان درجة العنصرية تصاعدت وارتفعت موجاتها، وها نحن نواجه حوادث اليمة من اعتداءات مستوطنين على أبناء شعبنا، ونقرأ دعوات لقتل العرب والتخلص منهم.. وهل نتوقع من أي حكومة اسرائيلية بأن تزيل الاستيطان في الضفة الغربية، أو تجمد العملية الاستيطانية؟ وهل نتوقع أن تعيد لنا اسرائيل القدس التي تواصل اسرائيل ممارسة سياسة تشديد السيطرة والهيمنة عليها أمام تفرج الجميع، ولم نسمع أي رد فعل، ولكننا نتلقى بيانات استنكار لهذه الاجراءات متعاطفة معنا، هذه البيانات التي تؤخر ولا تقدم بتاتاً.
على ماذا نراهن نحن الفلسطينيين؟ هل نراهن على الأمم المتحدة التي لم تفعل أي شيء لمعاقبة اسرائيل على قصف مدارس تابعة لها في القطاع، أو على مجازر "قانا" في لبنان؟ هل نراهن على بيان من الأمين العام للأمم المتحدة يعاتب فيه وبصورة خجولة اسرائيل، ولا يهددها حتى ولو صورياً لأنه يخاف من ردود فعل الادارة الاميركية عليه؟ هل نراهن على الاتحاد الاوروبي الذي يقاطع منتجات المستوطنات في الضفة، وممثلوه يزورون المستوطنات ويعزون عائلات المستوطنين الذين اختطفوا وقتلوا بصورة غامضة، وتم "تلبيس" الاتهام لحركة حماس؟ هل نراهن على هذا الاتحاد الذي لم يدن الجرائم الاسرائيلية في القطاع، بل أصدر بياناً دعا فيه الى نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في القطاع، أي أنه يعارض المقاومة المشروعة، ويدعم العدوان الظالم على القطاع.. وماذا قدم لنا الاوروبيون حتى الآن، ونقصد بالاوروبيين الحكام والأنظمة.. لقد خدم الرئيس الراحل القذافي الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي من خلال تقديم معونات مالية ليفوز في الانتخابات، وكانت النتيجة أن ساركوزي كان أول من شارك في القضاء على القذافي.. ولا ننسى رئيس وزراء ايطاليا برلسكوني الذي قبّل يد القذافي، وبعد أقل من عام كان في طليعة أعدائه.. انه عالم لا يمكن الاعتماد عليه، انه موالٍ لاميركا، وبالتالي موالٍ لاسرائيل.
هل نراهن على عالمنا العربي الرسمي الذي لم يتحرك لوقف العدوان على القطاع، بل هناك من باركه بصورة سرية، واراد أن تنتهي ثقافة المقاومة؟ وهل نراهن على قادة دعموا وموّلوا وسلحوا الارهاب في سورية، ولم يفعلوا شيئاً للقطاع سوى التبرع بفتات من الدولارات للتغطية عن عجزهم وسكوتهم وتفرجهم علينا!
إن العالم لا يحترم الا القوي، وشعبنا الفلسطيني قوي وجبار لانه صمد أمام الاحتلال، وأمام آلة الدمار العسكرية الاسرائيلية.. فشارون احتل الضفة الغربية في عام 2002 من خلال عملية أسماها "السور الواقي"، واقترف المجازر في المخيمات وخاصة في مخيم جنين، وها هو شعبنا في القطاع، رغم عمق جراحه وآلام معاناته اليومية صامد وما زال متمسكاً بحقوقه المشروعة وأرضه، ويواجه آلة الدمار والابادة الاسرائيلية بصورة مشرفة.. والشعب الفلسطيني بالتالي يريد من قيادته أن تكون قوية من خلال اتخاذ اجراءات فعلية وعلى ارض الواقع لمواجهة المجازر الاسرائيلية.. وهناك امكانيات عديدة لهذه القيادة لاستخدام ورقة من أوراق القوة، وهي ورقة الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية. وبعد الانضمام يكون في يدنا سلاح قضائي فعّال نستطيع من خلاله التلويح به من خلال تقديم شكوى ضد كل مسؤول اسرائيلي ارتكب أو ساهم أو شارك في أي مجزرة، صغيرة أو كبيرة كانت، بحق شعبنا الفلسطيني في القطاع.
على القيادة أن تتفاعل مع الشعب وتكون قوية مثله والا تتفرج، وألا تكتفي بالاعتماد على تحركات سياسية فقط، لان المراهنة على السياسة وحدها غير مجدية.. واسرائيل لا تحترم الا القوي، وتحسب له الف حساب، فقيادتنا قوية اذا ارادت ذلك، ونأمل أن تكون لديها الارادة لاستخدام هذا السلاح للدفاع عن شعبنا.. واذا لم تستخدمه الآن فمتى تستخدمه، هل بعد فوات الأوان.
انه سؤال ينتظر الاجابة عليه، لا بالاقوال بل بالفعل، ومن خلال تلبية مطلب الشعب ورغبته في التحرك باستخدام ما هو متوفر من امكانيات وقوة "سلمية" للجم اسرائيل ووضع حد لاعتداءاتها المتواصلة على شعبنا البطل الجبار.